الضفة الغربية بين كماشتي الاحتلال والتواطؤ… والانفجار الوشيك

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول حالة الانفجار الوشيكة بالضفة الغربية جراء تصاعد اعتداءات المستوطنين والتي تنفذ على مدار الساعة، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
تعيش الضفة الغربية واحدة من أكثر مراحلها صعوبة منذ عقود، مرحلة تتكثف فيها أشكال العدوان الإسرائيلي من اغتيالات واعتقالات وهجمات مستوطنين وعمليات مصادرة للأرض، في وقتٍ تمارس فيه السلطة الفلسطينية قمعها الخاص ضد أبناء شعبها، في حين تحولت الضفة إلى سجنٍ كبير تتناوب على إغلاقه البوابات العسكرية وحواجز الاحتلال وأجهزة المخابرات المحلية.
ولم يعد الضمّ الصامت الذي تنفذه إسرائيل مجرد مخطط سياسي مؤجل أو مشروع قانون في الكنيست، بل واقعٌ يُفرض على الأرض كل يوم، عبر التوسع الاستيطاني، وشقّ الطرق الالتفافية، وفرض التقسيمات الميدانية التي تعزل المدن عن قراها، والقرى عن أراضيها، ومع كل هجوم جديد يشنه المستوطنون تحت حماية الجيش، يترسخ الشعور بأن الاحتلال لم يعد بحاجة إلى اتفاقات أو اعترافات رسمية، فقد باتت الضفة الغربية عمليًا تحت سيادة المستوطنين وبنادقهم، بينما السلطة تكتفي بالبيانات الخجولة ومناشدات “المجتمع الدولي” الذي لا يسمع ولا يرى.
لكن ما يجعل المشهد أكثر سوداوية هو أن القمع لم يعد يأتي فقط من فوهات بنادق الاحتلال، بل أيضًا من داخل البيت الفلسطيني نفسه، فالسلطة التي يفترض أن تكون مظلة للحماية الوطنية، تحولت إلى جهاز أمنٍ موازٍ للاحتلال، يعتقل المناضلين، ويلاحق المقاومين، ويكمم أفواه المعارضين، الاعتقال السياسي بات ممارسة يومية في مدن الضفة، تستهدف من يرفع صوته ضد التنسيق الأمني أو يرفض مسار الخضوع، حتى الأسرى المحررين من صفقات التبادل لم يسلموا من الملاحقة، إذ يجدون أنفسهم بين مطرقة الاحتلال وسندان الأجهزة الأمنية التي تعاملهم كخطرٍ على “الاستقرار” المزعوم.
إن هذا التواطؤ المتراكم بين الاحتلال والسلطة أنتج واقعًا خانقًا، لم يبق للفلسطيني سوى ضيق الأفق وانسداد الأمل، فبينما تُغلق البوابات العسكرية مداخل القرى، تُغلق السلطة أبواب العدالة أمام المظلومين، ويتفشى الفساد في مفاصلها ليحولها من كيان وطني إلى سلطة مصالح ومنافع، تخرق القانون، وتتعدى على القضاء، وتصادر حرية الصحافة والرأي، وتزرع الخوف بدل الثقة في نفوس الناس.
في المقابل، تتصاعد روح المقاومة في أزقة جنين ونابلس وطولكرم، حيث ما زال الفلسطيني يحمل سلاحه البسيط دفاعًا عن كرامته، يواجه جيشًا مدججًا بالموت، وسلطةً مدججة بالتبريرات. هذه المفارقة العجيبة بين الاحتلال الذي يقتل، والسلطة التي تلاحق من يقاوم القتل، جعلت الضفة تعيش على صفيحٍ يغلي، فكل جريمة جديدة وكل اعتقالٍ سياسي جديد يقترب بالشارع الفلسطيني أكثر نحو لحظة الانفجار.
الضفة الغربية اليوم ليست مجرد ساحة مواجهة مع الاحتلال، بل ميدان صراع على هوية المشروع الوطني ذاته، فإما أن تكون ساحة للمقاومة والتحرر، أو تُترك رهينةً لسلطةٍ بلا شرعية، تحرس الاحتلال وتخنق شعبها باسم الأمن، بينما يغدو الفلسطيني نفسه العدو المشترك بين الطرفين.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو الانفجار قادمًا لا محالة، ليس فقط ضد الاحتلال الذي ينهب الأرض ويقتل الأبرياء، بل أيضًا ضد سلطةٍ فقدت صلتها بشعبها وتحولت إلى عبءٍ على نضاله، فالناس حين تُسلب كرامتهم وتُغلق أمامهم كل أبواب العدالة، لا يبقى أمامهم سوى الانفجار في وجه الظلم، أياً كان مصدره، وهنا تحديدًا تكمن لحظة الحقيقة في الضفة الغربية، حيث من يقبل العيش في سجنين متوازيين، أم سيكسر القيود جميعها دفعةً واحدة ليصنع حريته بيده.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95972





