من شرم الشيخ 1996 إلى شرم الشيخ 2025.. المقاومة مستمرة ومتصاعدة

رام الله – الشاهد| خط محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، مقالاً بعنوان: “من شرم الشيخ 1996 إلى شرم الشيخ 2025.. المقاومة مستمرة ومتصاعدة”، يستعرض فيها مسارًا يمتد على مدار 29 عامًا من مؤتمرات السلام، وما بينهما من انتفاضاتٍ، وحروبٍ، واتفاقياتٍ فاشلة، وتحوّلاتٍ كبرى في المشهد الفلسطيني.
ويرى الكاتب أن التاريخ يعيد نفسه بشكل ساخر، إذ اجتمعت في شرم الشيخ عامي 1996 و2025 قوى كبرى لإعلان “الحرب على الإرهاب”، والهدف الحقيقي في المرتين كان واحدًا: إقصاء حركة حماس والمقاومة الفلسطينية من المشهد السياسي.
القمة الأولى: شرم الشيخ 1996
يُذكّر الكاتب أن المؤتمر الأول في شرم الشيخ جاء بعد سلسلة عمليات فدائية نفذتها حماس والجهاد الإسلامي ثأرًا لاستشهاد المهندس يحيى عياش، مما دفع العالم حينها — بقيادة بيل كلينتون وحسني مبارك — إلى عقد ما سُمّي بـ”قمة صانعي السلام ضد الإرهاب”.
ويصف د. صالح تلك القمة بأنها شكّلت نقطة فاصلة في محاولة تجريم المقاومة الفلسطينية وتحويلها إلى قضية أمنية دولية، بينما بقي الإرهاب الإسرائيلي خارج دائرة الإدانة، يمارس القتل والاحتلال بلا محاسبة.
وقد شارك في المؤتمر أكثر من ثلاثين دولة، بينها الولايات المتحدة، و”إسرائيل”، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، إضافةً إلى السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات.
غير أن النتيجة، كما يقول الكاتب، كانت واضحة: تجريم الضحية، وتبرئة الجلاد.
القمة الثانية: شرم الشيخ 2025
وبعد نحو ثلاثة عقود، انعقدت قمة أخرى في شرم الشيخ، بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، برعاية مصرية-أمريكية، وبحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، إلى جانب أكثر من عشرين زعيمًا عالميًا.
يرى الكاتب أن هذه القمة جاءت لدعم خطة ترامب بشأن “اليوم التالي في غزة”، والتي تُحاول — حسب وصفه — “إعادة تأهيل الكيان الإسرائيلي وفرض الوصاية على الفلسطينيين”.
ويشير د. صالح إلى أن الهدف غير المعلن للقمة هو “إغلاق ملف المقاومة المسلحة في غزة”، وتهيئة الظروف لإنهاء وجود حماس سياسيًا وميدانيًا.
لكن، وكما في 1996، فشلت القمة في تحقيق مبتغاها، لأن المقاومة — كما يكتب — “ليست حزبًا أو فصيلًا، بل هي روح أمةٍ لا تموت”.
من القمع إلى الصعود: حماس بعد 1996
ويتابع الكاتب في مقاله أن السنوات التي تلت قمة شرم الشيخ الأولى كانت من أشدّ الفترات قسوة على حماس والجهاد الإسلامي، حيث شنّت السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الاحتلال حملة اعتقالات وتصفية للخلايا المقاومة، واستُشهد أبرز القادة مثل محيي الدين الشريف وعادل وعماد عوض الله، واعتُقل القائد حسن سلامة.
ومع ذلك — كما يقول د. صالح — “لم تنتهِ حماس، ولم تُهزم”، بل عادت لتتصدر المشهد مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
فبعد أقل من أربع سنوات فقط، أعادت المقاومة بناء نفسها، لتصبح كتائب القسام رأس الحربة في المواجهة مع الاحتلال، وليستعيد الشعب الفلسطيني إيمانه بخيار المقاومة بعد أن تهاوت أوهام التسوية.
الانتخابات والانقسام
ويُذكّر الكاتب بأن انتفاضة الأقصى مهّدت لمرحلة جديدة من حضور حماس السياسي، توّجت بفوزها الساحق في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، عندما حصدت 78 مقعدًا مقابل 45 لفتح.
لكن هذا الفوز، كما يقول د. صالح، لم يُترجم إلى سلطة فاعلة، إذ واجهت الحركة حصارًا دوليًا خانقًا، وانقسامًا داخليًا أفضى إلى انقسام جغرافي بين الضفة وغزة.
ومنذ ذلك الوقت، دخلت حماس أربع حروب مدمّرة مع الاحتلال (2008/2009 – 2012 – 2014 – 2021)، لكنها خرجت منها — رغم الخسائر الفادحة — أكثر صلابةً وشعبية.
المعركة التي غيّرت المعادلة
ويخصّص الكاتب مساحة واسعة للحديث عن طوفان الأقصى، الذي وصفه بأنه “زلزالٌ هائلٌ أعاد تعريف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
ويقول إن حماس وقوى المقاومة “قدّمت أداءً مذهلًا وصمدت رغم فقدان قياداتها الكبرى في غزة”، مؤكّدًا أن استطلاعات الرأي بعد عامين من الحرب أظهرت أن الحركة ما زالت الأكثر شعبية بفارق كبير عن حركة فتح.
ويضيف: “إنها ليست مجرد حركة، بل حالة وعيٍ جماعيٍّ متجذّر في الوجدان الفلسطيني، تمثل الإصرار على المقاومة مهما كانت الكلفة”.
لماذا فشلت مشاريع السلام؟
يُرجع الكاتب استمرار المقاومة إلى سلوك الأطراف الدولية والإقليمية التي استغلّت مسار التسوية غطاءً لتوسيع الاستيطان وتهويد القدس والضفة، ودفن فكرة الدولة الفلسطينية.
كما يشير إلى أن السلطة الفلسطينية “تحوّلت إلى أداةٍ وظيفية لخدمة الاحتلال عبر التنسيق الأمني، في ظلّ تراجع عربي وتطبيعٍ متزايدٍ مع إسرائيل”.
كل ذلك — برأي د. صالح — عزّز القناعة لدى الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم بأن المقاومة وحدها هي اللغة التي يفهمها الاحتلال.
الدرس الذي لم يُفهم بعد
ويختتم أ. د. محسن محمد صالح مقاله بنبرة تحذير: “يبدو أن المجتمعين في شرم الشيخ الثاني لم يستوعبوا درس شرم الشيخ الأول؛ فالمقاومة ليست بندًا يُشطب من جدول المؤتمرات، بل هي حقٌّ ووجودٌ وإرادةُ شعبٍ لا يُقهر.”
ويؤكد أن موجةً جديدة من المقاومة قادمة لا محالة، بفعل “العدوانية الصهيونية وتصاعد الوعي الجمعي الفلسطيني”، مشيرًا إلى أن “ما حدث في طوفان الأقصى ليس نهاية المعركة، بل بداية جولاتٍ أشدّ وأعمق”.
من 1996 إلى 2025، ومن شرم الشيخ إلى غزة، يثبت المسار التاريخي أن محاولات إقصاء المقاومة انتهت جميعها إلى الفشل.
فالمقاومة — كما يصفها الكاتب — ليست خيارًا سياسيًا، بل حتمية ووجود وكرامة.
وبينما تتغيّر وجوه الزعماء والمؤتمرات، تبقى حماس والمقاومة — برغم الحصار والدمار — العنصر الثابت في معادلة فلسطين، والعقبة التي لم ولن يستطيع الاحتلال ولا مؤتمراته تجاوزها.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=96135





