سلام بلا حياة.. غزة لا زالت تُصارع بعد الحرب

سلام بلا حياة.. غزة لا زالت تُصارع بعد الحرب

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول حالة الصراع التي يعيشها أهالي قطاع غزة من أجل محاولة الانتقال من مرحلة الحرب المدمرة إلى بداية حياة طبيعية، في ظل تخلي القريب والبعيد عنهم، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

رُفِعَت رايات وقف إطلاق النار، لكنّ أصوات الحرب لم تغب عن سماء غزة، فما زال الصدى عالقًا بين الركام، وما زال الموت يحوم في الأزقة المهدّمة، وكأنّ الهدنة لم تأتِ إلا لتمنح القتلة استراحة محارب.

منذ اللحظة الأولى لإعلان وقف النار، تكررت الخروقات الإسرائيلية، وسقط الشهداء والجرحى في غزة التي لم تعرف طعم الأمان يومًا، تُغتال الهدنة في وضح النهار، كما تُغتال أحلام الناس في عودتهم إلى حياةٍ تشبه الحياة.

في شوارع القطاع، تصطفّ طوابير المجوعين، رجالٌ ونساءٌ وأطفال يبحثون عن رغيفٍ يقيهم الجوع أو عن نقطة ماءٍ تطفئ عطشهم، فالطعام شحيح و المساعدات قليلة والماء ملوّث والكهرباء ترفٌ بعيد، فيما تفيض القلوب بالغضب والخذلان.

المشهد مؤلم حدّ الفجيعة، فالحرب انتهت على الورق، لكنها ما زالت تواصل فصولها في واقع الناس، في بيوتهم المهدّمة وأجسادهم المرهقة وأحلامهم التي تتساقط كل يوم مثل غبارٍ على الركام.

وقف إطلاق النار لم ينهِ الحرب، بل غيّر شكلها؛ فبعد أن كان الموت يأتي من السماء، صار يأتي من الجوع والعطش والمرض واليأس، الناس في غزة لم يعودوا يسألون عن الغد، بل كيف ينجون من اليوم.

الحياة لم تعد إلى طبيعتها، لأنّ الطبيعي في غزة هو اللاطبيعي، ولأنّ الوجع فيها لا يعرف نهاية، فكلما خمد صوت القصف ارتفع أنين الجوع، وكلما توقفت الصواريخ، اشتعلت معارك البقاء.

غزة اليوم ليست فقط مدينة مدمّرة، بل اختبارٌ قاسٍ لإنسانية العالم، فهل يُعقل أن يعيش أكثر من مليونَي إنسان في ظلال هدنةٍ جائعة؟ أن يبيتوا بين ركامٍ وذكرياتٍ ووعودٍ لم تتحقق؟

لقد ظنّ كثيرون أن الحرب انتهت، لكنّ الحقيقة أن غزة وحدها تعرف أنّها لم تبدأ بعد نهايتها، وأنّ النار لم تخمد بل توارت خلف الرماد تنتظر لحظة الاشتعال من جديد.

ورغم كل هذا الخراب، تبقى غزة صامدة، ترفض الانكسار، تقاتل بصبرها كما قاتلت بصواريخها، وتقاوم بالخبز الجافّ وبالأمل العنيد، لأنها تعرف أنّ من ينجو من الموت ألف مرة لا يمكن أن يُهزم.

غزة لا تحتاج إلى وقف إطلاق نار فقط ، بل إلى وقف للظلم، إلى حياةٍ تليق بالبشر، إلى ضميرٍ عالميٍّ لا يكتفي بالفرجة على الجوعى والمشرّدين، فحتى الهدنة في غزة جائعة، وحتى السلام فيها محاصر.

إغلاق