أزمة الأسرى والجرحى وأسر الشهداء: مقاربة قيمية بمرتكزات قانونية

أزمة الأسرى والجرحى وأسر الشهداء: مقاربة قيمية بمرتكزات قانونية

رام الله – الشاهد| كتب المحامي د. حسن سليم تُعدّ قضية الأسرى والجرحى وأسر الشهداء من أكثر القضايا حساسية في التجربة الوطنية الفلسطينية، ليس فقط لما تمثله من بعد إنساني واجتماعي، بل لكونها ركيزة قيمية وقانونية في آن واحد، ذلك أنهم لم يكونوا يوماً ما حالات اجتماعية أو ملفات إغاثية، بل طرفاً أصيلاً في معادلة النضال الوطني، وأصحاب حقوق مكتسبة بموجب القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني.

اليوم وبعد صدور القرار بقانون المتعلق بمؤسسة تمكين، الذي أعاد فتح هذه القضية من زاوية إشكالية، عبر مقاربة إدارية تتجاهل في جوهرها البعد القانوني والوطني، والتعامل مع هذه الشريحة بوصفهم مستفيدين من برامج حماية اجتماعية، يتضح انه بالنتيجة قد تم إختزالها بشكل مخل بطبيعة قضيتهم، لكون هذه الشريحة تمتع بوضع قانوني خاص، نابع من كونهم ضحايا مباشرة للإحتلال، أو مشاركين في مقاومة مشروعة ضد قوة احتلال، وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا سيما إتفاقيات جنيف، التي ميزت بين أعمال المقاومة المشروعة والاعمال الجنائية العادية، وهذا ما يمنحهم حماية وحقوقاً خاصة، والأهم أن إعادة توصيف الأسرى أو أسر الشهداء كـحالات اجتماعية يتناقض مع هذا الإطار القانوني، ويخدم رواية الاحتلال التي تسعى إلى تجريم النضال الفلسطيني.

وبالعودة الى القرار بقانون المتعلق بمؤسسة تمكين فانه على الرغم من أنه يُقدَم باعتباره إجراءً تنظيمياً يهدف إلى الشفافية والحوكمة، إلا أن الإشكال القانوني فيه يتمثل في نقله ملف شريحة الأسرى والجرحى وأسر الشهداء من إطارها القانوني الخاص إلى إطار عام للحماية الاجتماعية، مما يجعل هذا الاجراء ليس إدارياً تنظيمياً، بل تغييراً في الوصف القانوني، الأمر الذي يترتب عليه آثاراً مباشرة تمسّ طبيعة الحقوق، ومصدرها، وطريقة الدفاع عنها، وهذا يشكل من منظور القانون الوطني، مساساً بتلك الحقوق المكتسبة، التي لا يجوز المساس بها أو إعادة توصيفها بقرار إداري أو بقانون لاحق، خاصة إذا كان ذلك يُفضي إلى إنقاص الحماية أو الإنتقاص من المكانة القانونية لهذه الفئة.

ومن الآثار القانونية بعيدة المدى الخطيرة الناتجة عن تغير الوصف القانوني، هو إضعاف قدرة الجانب الفلسطيني على الدفاع عن هذه الشريحة في المحافل الدولية، وبالمقابل يمنح الاحتلال مادة إضافية للطعن في مشروعية الدعم المقدم لهذه الشريحة، ويخلق سابقة قانونية تسمح مستقبلاً بإعادة توصيف قضايا وطنية أخرى ضمن أطر إدارية مشروطة.

وفي مقابل ما سلف ذكره، فان أحداً لا يستطيع إنكار وجود ضغوط دولية كبيرة، وكبيرة جداً تهدف إلى تفكيك البنية القانونية الداعمة لقضية الأسرى وأسر الشهداء، تحت ذرائع مكافحة التحريض أو الالتزام بالمعايير الدولية، غير أن الإستجابة القانونية الرشيدة لهذه الضغوط لا تكون بتفريغ الحقوق من مضمونها، بل بتحصينها قانونياً، وربطها صراحة بالقانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ولا يمنع أيضاً البحث عن حلول خلاقة يمكن اعتمادها بما يحفظ الكرامة لهذه الشريحة استناداً إلى القانون – لنا في التجربة الجزائرية خير مثال – يشترك في بلورتها ذوي الشأن، واصحاب القرار وشركاء القضية من الواعين لاهمية الحفاظ على الهوية الوطنية والقانونية لها، بادراك واعٍ لحجم الضغوط الدولية التي لا تستهدف مؤسسة هنا او هناك بل الكينونة الوطنية الفلسطينية.

اليوم، في ظل الجدل الساخن، الذي لا يُعرف الى اين سيصل، وكرة الثلج الى اين ستتدحرج، فان الجميع مدعو بحرص أن يأخذ بعين الاعتبار أن الحفاظ على كرامة الأسرى والجرحى وأسر الشهداء لا يتحقق بالشعارات وحدها، ولا بشخصنة المسألة، بل بتكريس مقاربة قانونية وطنية متماسكة، تعترف بتضحياتهم كحقوق لا كمنح، لكون هذه الشريحة لا يمكن ان تكون يوماً ما عبئاً على النظام السياسي، بل تمثل أحد مصادر شرعيته الأخلاقية والقانونية، وبالتالي فإن أي مقاربة تفصل بين البعد القيمي والبعد القانوني، إنما تُضعف كليهما، وتُعرض جوهر القضية الوطنية للاهتزاز.

إغلاق