السلطة الفلسطينية: “إصلاح” مجّاني زوايا

السلطة الفلسطينية: “إصلاح” مجّاني زوايا

رام الله – الشاهد| لا يكلّ الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، عن محاولة تقديم أوراق اعتماد للإدارة الأميركية، في محاولة للفت انتباه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السلطة الفلسطينية وحجز دور لها في مشروعه الخاص بقطاع غزّة، سواء عبر ما يسمّى “مجلس السلام” أو الهيئة المحلّية التي من المُفترَض أن تدير القطاع في المرحلة الأخيرة من اتفاق وقف إطلاق النار.

ورغم أن الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال الإسرائيلي سبق أن رفضتا أيَّ دور للسلطة في مستقبل غزّة، إلا أن واشنطن وضعت شروطاً قد تجعلها تعيد النظر في هذا الرفض، منها إجراء إصلاحات واسعة في السلطة تشمل المناهج التعليمية.

وانسجاماً مع هذه الشروط، غير مضمونة النتائج، خرج بيان يوم الأربعاء عن الرئيس عباس يعدُ بمجموعة واسعة من الإصلاحات، وتضمّن عدة تعهّدات، بداية من المضي “في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تطوير المنظومة القانونية والمؤسّسية لدولة فلسطين وتحديثها، وترسيخ سيادة القانون، وتعزيز مبادئ الحكم الرشيد، والشفافية، والمساءلة، وضمان الفصل بين السلطات”.

ولم ينسَ البيان الإشارة إلى النقطة الأهم في المطالب الأميركية، أن البرنامج الإصلاحي “يشمل كذلك تطوير قطاع التعليم، بما في ذلك مراجعة المناهج التعليمية وتحديثها وفق المعايير الدولية، وبما ينسجم مع هويتنا الوطنية الفلسطينية، ويعزّز قيم التسامح، واحترام القانون، ونبذ العنف والتحريض، من دون المساس بحقوقنا الوطنية الثابتة أو روايتنا التاريخية”.

في البيان نفسه، دافع عبّاس عن رضوخ السلطة للمطالب الأميركية والإسرائيلية بوقف رواتب الأسرى المُحرَّرين، وهو ما باشرته السلطة قبل أشهر وبات يشكّل أزمةً داخليةً، انفجرت بحركات احتجاجية في عدة مناطق في الضفة الغربية، فعباس دافع عن مؤسّسة “تمكين” المُكلَّفة إدارة مستحقّات الأسرى المُحرَّرين، مشيراً إلى أنها تُطبِّق قرارات السلطة.

جاء البيان مفاجئاً ومن دون مقدّمات، وهو أمر قد يكون مفهوماً بعد تسريبات إعلامية إسرائيلية خلال الأيام الماضية أشارت إلى اقتراب الإدارة الأميركية من تشكيل “حكومة غزّة”، وتسعى السلطة إلى أن يكون لها موطئ قدم فيها. لكن هناك مشكلات عديدة في ما تضمّنه البيان، إذ يمثّل، في جزء منه، اعترافاً ضمنياً من السلطة بالاتهامات الأميركية والإسرائيلية، بداية من غياب الشفافية في أداء السلطة وتفشّي الفساد بين أروقتها، مروراً بتضمّن المنهاج الفلسطيني موادَّ تحريضية على العنف والكراهية، وصولاً إلى ضرورة معاقبة الأسرى المُحرَّرين على سنوات نضالهم التي أودت بهم إلى سنوات في السجون الإسرائيلية.

المشكلة الثانية أن هذا البيان يأتي في وقت تُفرِّغ سلطات الاحتلال السلطة الفلسطينية من مضمونها، مدعومةً من الإدارة الأميركية. مخطّطات الضمّ ماضية على قدم وساق أمام أنظار العالم، ومخطّطات الاستيطان تلتهم يومياً مساحات واسعة من الضفة الغربية. ولم يعد يخفى على أحد التقزّم الذي يصيب سيطرة السلطة على الضفة، التي باتت تتركّز فقط في بعض المدن الأساسية، بعيداً عن الضواحي والأرياف التي تستبيحها قوات الاحتلال يومياً.

ثالثاً، رغم أهمية جزء ممّا جاء في البيان لجهة إجراء إصلاحات داخل السلطة، تأتي المبادرة الفلسطينية مجّانيةً كالعادة، وبعيدةً عن أيّ مقابل قد يُقدَّم من الطرف الآخر. فلا ضمان أن هذه الإجراءات ستؤدّي إلى تغيير النظرة الأميركية إلى السلطة، ولا حتى القضية الفلسطينية.

فالإدارة الأميركية، في الشهور الماضية، لم تعد تذكر السلطة في أيٍّ من مخطّطاتها الوضع المستقبلي لقطاع غزّة. كذلك، فإن واشنطن ليست في وارد الدخول في أيّ مشروع تسوية جديدة يؤدّي فعلياً إلى قيام دولة فلسطين. فرغم مرور هذه العبارة عرضاً في اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، فإنها لم تُرفق بأيّ خريطة طريق فعلية لذلك، ولم تعد تأتي على ذكرها.

وفعلياً، هذا ما كان يجب أن يتضمّنه بيان محمود عبّاس، فبدلاً من الإقرار الضمني بأحقّية المطالب الأميركية والإسرائيلية، كان من المفترض التمسّك بدور للسلطة في غزّة وتحديد مصير دولة فلسطين، ولو من باب تسجيل الموقف.

إغلاق