تورط فيها وزراء ومسؤولون في السلطة.. قضية فساد كبرى في معبر الكرامة

تورط فيها وزراء ومسؤولون في السلطة.. قضية فساد كبرى في معبر الكرامة

رام الله – الشاهد| كشف تحقيق استقصائي أجراه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) عن تفاصيل قضية فساد كبيرة في معبر الكرامة ،تورط فيها وزير النقل والمواصلات السابق طارق زعرب.

ووفق التحقيق فقد بدأ الفساد في العام2018، حينما دخلت خمس مركبات خاصة إلى معبر الكرامة، ولم تكن تحمل لوحات عمومية، ولا تشبه مركبات النقل العام، لكنها تنقل الركاب مقابل أجر. في البداية، وبدت كاستثناء صغير، لكن سرعان ما اتضح أنها رأس خيط لقصة أطول وأكثر تعقيدا.

ووفق التحقيق فإن هذه المركبات كانت تتبع شركة تحمل اسم “المجد”، حصلت على ترخيص من سلطة الترخيص في وزارة النقل والمواصلات، لمركبات خصوصية تعمل تحت مسمى “VIP” ضمن نظام خاص أعدته الوزارة. في حينه، قال الناطق باسم الوزارة محمد حمدان إن إنشاء خط “VIP” جاء “استجابة لحاجة العديد من المواطنين ولايجاد خدمة النقل المميز من مكان سكنهم من والى الجسر”. بدا التصريح بسيطا، لكنه أخفى خلفه إشكالية قانونية جوهرية.

وذكر التحقيق أن القانون الفلسطيني، وتحديدا المادة 86 من قانون المرور لسنة 2000، يحظر بشكل صريح تقاضي الأجرة مقابل السفر في “حافلة خصوصية”، ورغم أن هذا النشاط لم يكن منظما بأي نظام أو تعليمات نافذة، مُنحت “المجد” رخصها من دون منافسة، ومن دون إعلانات، ومن دون أي آلية تضمن تكافؤ الفرص بين العاملين في القطاع.

وأوضح التحقيق أن هذه المخالفة لم تمر مرور الكرام، حيث رأت نقابة عمال النقل في ما يجري تهديدا مباشرا لمصدر رزق سائقي النقل العمومي، فنظمت احتجاجات واسعة، ونفذت إضرابات عن العمل. تحت ضغط الشارع النقابي، اضطرت الوزارة إلى تجميد التراخيص مؤقتا، ثم جاءت جائحة كورونا في عام 2020، لتضع الملف في حالة من السبات، من دون معالجة قانونية حقيقية.

 

التنازل القانوني

وأشار التحقيق إلى أنه مع عودة حركة السفر بعد الجائحة، عاد الملف إلى الواجهة، ولكن هذه المرة بأسئلة أشد قسوة: كيف سُمح بانتهاك قانون المرور؟ ومن يتحمل مسؤولية ما جرى؟داخل الوزارة، بدأت محاولات البحث عن “مخرج” من مأزق “الانتهاك الفاضح للقانون”، وهو مأزق بدأت تتكشف مؤشراته كشبهة فساد إداري واستغلال نفوذ.

وذكر أنه جرى التوصل إلى تسوية مع نقابة السائقين ومحافظة أريحا. أحد أعضاء اللجنة الفنية العليا في الوزارة يشرح لمعدّ التحقيق منطق هذه التسوية، بالقول إنها قامت على قاعدة “أقل الأضرار”.

وكان الخيار البديل، بحسب روايته، كان إلغاء الشركة، وهو ما قد يقود إلى نزاع قضائي بسبب الترخيص الذي حصلت عليه مسبقا. فكان الحل: منح مجدي نصار المدير العام للشركة، تصاريح لخمس مركبات تحت مسمى “النقل المميز”، وتحويل هذه المركبات الخمس من سيارات خصوصية إلى سيارات عمومية بلوحات خضراء، بشروط صارمة: ممنوعة من البيع أو التنازل أو النقل، وبمقابل مالي قدره 2500 شيكل سنويا عن كل رخصة، إضافة إلى الرسوم، كما هو معمول به للسيارات العمومية.

وقال التحقيق ان التنازل بدأ وكأنه خطوة لتصويب وضع مخالف وتحصيل إيرادات للخزينة. لكن ما لم يُعلن حينها، أن هذه التسوية كانت في الواقع بداية مرحلة جديدة: مرحلة توسع مربح، يقوده -كما يظهر التحقيق- نافذون داخل وزارة النقل والمواصلات وهيئة المعابر، لترسيخ سيطرة شركة واحدة على خط هو الأكثر حساسية في فلسطين.

 

المنظومة المعكوسة

وذكر أنه في عام 2023، لم يعد الأمر مجرد اشتباه. صدر القرار رقم (1) الذي ينظم عمل “النقل المميز VIP” في فلسطين، وهنا تنكشف المفارقة: بدل أن يصدر القانون أولا ثم يُطبق، كانت “شركة المجد” تعمل لسنوات في وضع مخالف، ثم جاء القرار لاحقا ليُفصّل على مقاس هذا الواقع القائم.

ووفق ما أظهر التحقيق، فبموجب القرار، حصلت “المجد” على رخصة تشغيل “النقل المميز”، لتصبح الشركة الوحيدة في هذا المجال في الضفة الغربية، من دون أي إعلان، ومن دون أي منافسة. يظهر من الوقائع أن النظام بأكمله أُسس لتصويب وضع مخالف قائم بالفعل، لا لتنظيم قطاع مفتوح.والأخطر، أن هذا كله جرى بدعم من نافذين داخل وزارة النقل وهيئة المعابر، لضمان عمل الشركة في أكثر النقاط حيوية: معبر يشهد تنقل آلاف المسافرين يوميا.

ولفت التحقيق إلى القصة تحمل خيطا أدق وأكثر حساسية. ففي نهاية عام 2022، تكشف مراسلة رسمية وجهها مدير عام المعابر والحدود نظمي مهنا إلى وزير النقل والمواصلات في حينه عاصم سالم. يخبره فيها أن “هناك موافقة إسرائيلية على طلب فلسطيني بوجود شركة نقل vip لتقديم خدمات النقل للشعب الفلسطيني ممن يطلبون الخدمة”، مشيرا إلى أن “الجانب الإسرائيلي وافق على أن تكون الشركة إسرائيلية فقط”.

وبحسب التحقيق، يضيف مهنا في كتابه أن “شركة المجد المقدسية (الإسرائيلية) الوحيدة التي تمتلك الموافقات الإسرائيلية والأردنية لتقديم جميع خدمات vip للمواطنين لمن يرغب بشراء الخدمة”.

واشار التحقيق إلى أن الصورة أكثر: شروط مصممة خصيصا لشركة بعينها، وربط الترخيص بموافقة إسرائيلية مسبقة كشرط تعجيزي، يضمن إقصاء أي منافس محتمل. يتحول الاشتباه بتضارب المصالح إلى سؤال أعمق: هل كان القرار رقم (1) مجرد غطاء قانوني لترسيخ احتكار في شرايين النقل الفلسطينية؟

 

حلقة توسع أخرى

وقال التحقيق إن المحاولات لم تتوقف عند هذا الحد. في عام 2024، ومع قدوم الوزير الجديد طارق زعرب، تقدم مجدي نصار بطلب جديد للحصول على رخصة مكتب تكسي للعمل على المعابر، في خطوة هدفت لزيادة عدد المركبات العاملة ضمن نظام النقل المميز، والالتفاف على قرار تحديد عددها بخمس فقط.

وأظهر التحقيق أنه ورغم حصوله على موافقة مبدئية وتوقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل وهيئة المعابر وشركة المجد، أدى تدخل أطراف داخل الوزارة ووصول الملف إلى مجلس الوزراء إلى إلغاء الموافقة، علما أن نصار كان قد حصل في عام 2010 على رخصة مكتب تكسي تحت اسم “ستار” عمل لعامين في نقل الركاب على المعابر، وقام ببيعه فيما بعد.

ونوه إلى أنه تم الالتفاف من بوابة أخرى. بعد سحب موافقة “مكتب التكسي”، مُنح نصار رخصة تأجير مركبات سياحية بسائق. تغيير في المسمّى، واستمرار في الجوهر. هكذا استمرت المناورة القانونية لضمان توسع “المجد” في نقل المسافرين.

وكشف التحقيق أن الوزارة منحت صار ترخيصا جديدا لشركة تأجير مركبات سياحية على ذات السجل التجاري لشركة النقل المميز، على أن يتم “تأجيرها بسائق”. هذا الإجراء استند إلى نظام غير قانوني وضعته الوزارة نفسها، في محاولة لإضفاء شرعية على نشاط مخالف للقانون، يتمثل بالجمع بين مهنتين من مهن النقل والمواصلات (النقل المميز والتأجير) على سجل تجاري واحد، إضافة إلى عدم جواز تأجير المركبات السياحية بسائق.

ووفق ما جاء في التحقيق ، فإن الوثائق ترسم المشهد بدقة. في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2024، أرسل مدير عام الشركة مجدي نصار كتابا إلى الوزير طارق زعرب، يطلب فيه “الحصول على رخصة إضافة خدمة تأجير المركبات ضمن أنشطة شركة المجد للنقل المميز”. وبرر الطلب بالقول: “استجابة لرغبات عملائنا الذين أعربوا عن حاجتهم لهذه الخدمة، نرغب في إضافة نشاط تأجير المركبات ليكون مقر الخدمة داخل حدود الإدارة العامة للمعابر الفلسطينية، بهدف توفير تجربة نقل متكاملة ومريحة للوافدين”. وختم كتابه: “نأمل من سيادتكم النظر في الطلب واتخاذ الإجراءات لمنح الرخصة المطلوبة”.

وبعد 16 يوما، أحال زعرب الكتاب إلى نظمي مهنا طالبا “الإفادة بهذا الخصوص”. وبعد أربعة أيام فقط، رد مهنا بكتاب عنوانه “رخصة تأجير سيارات”، طالبا فيه “الموافقة على منح شركة المجد ترخيصا للعمل داخل خدمة (VIP) في المنطقة المخصصة لنقل الركاب لتحقيق الخدمة الأمثل وتكامل خدمات (VIP) للمواطنين”.

وفي اليوم التالي مباشرة، كتب زعرب بخط يده توجيها لمدير مكتبه عصام البرغوثي، لتشكيل لجنة من: (م. عمر سليمان، الوكيل المساعد لشؤون الترخيص والنقل، ويحيى عكوبة، الوكيل المساعد لشؤون المديريات، وفريدة الجيوسي، مدير عام النقل الخاص والسياحي) لإبداء الرأي وعمل اللازم أصولا.

وتشكلت اللجنة فورا، وأوصت بالموافقة: “نوصي معاليكم بالموافقة ومنح الشركة ترخيص وفق الشروط والمتطلبات التي تعمل بموجبها الوزارة لتقديم الخدمة المتكاملة لهذه الشريحة من المواطنين”. وُقّع الكتاب من أعضاء اللجنة الثلاثة، وفي اليوم نفسه كتب الوزير: “لا مانع، يؤخذ بالتوصية”.

وذكر التحقيق أن الإجراءات سارت بسرعة لافتة. ففي وثيقة أخرى صادرة عن دائرة النقل الخاص، بتاريخ 14 كانون الثاني/ يناير 2025، تكشف بوضوح أنه “لا توجد إجراءات معتمدة رسميا لمثل هذه الحالة”، وتطلب توجيهات لـ ”استثناء شركة المجد من القرار الوزاري النافذ (31/18/2020) والذي يمنع ترخيص أكثر من مهنة من مهن المواصلات على نفس السجل”.

 

ونوه التحقيق إلى أنه تم الاستثناء، رغم قرار الوزارة نفسها لعام 2020 الذي يمنع ذلك. وهكذا أصبحت “المجد” تمتلك خمس مركبات عمومية، و12 مركبة أخرى تعمل فعليا في نقل المسافرين تحت مسمى “التأجير بسائق”.

اتهام صريح

ورد رئيس النقابة العامة لعمال النقل في فلسطين علاء مياسي على هذه المعلومات بالقول “هذا فساد باختصار”، مضيفاً: “من قام بالترخيص هو المستفيد.. الوزير وإدارته، اللي رخص، ومن أعطى إفادة، ومن اخترع التأجير بسائق هو الذي يتحمل المسؤولية”.

وبحسب مياسي، كانت مركبات الشركة الخمس تنفذ يوميا نحو 30 نقلة من وإلى الجسر. بعد إدخال نظام التأجير بسائق، قفز العدد إلى نحو 120 نقلة يوميا بالمعدل.

وكشف التحقيق أن “المجد” تتقاضى من المسافر من رام الله مثلا إلى المعابر عبر مسارات الـVIP نحو 300 دولار، تشمل رسوم النقل، والسفر VIP، وضريبة المغادرة. بعد الخصم، تبلغ أجرة النقل وحدها 126 دولارا. 120 رحلة يوميا (وفق أرقام نقابة النقل) تعني قرابة 15 ألف دولار في اليوم، ويزيد الرقم إذا كان النقل من وإلى محافظات أخرى. لكن وفق تصريح نصار فإن 50 نقلة يوميا يصل مردودها قرابة 6 آلاف دولار.

وأشار التحقيق إلى أنه بعد تفجر الملفات المتعلقة بالوزير زعرب ونظمي مهنا، وتعيين عاهد بسيسو مسيرا لأعمال الوزارة، صدر قرار -في بدايات تشرين الأول/ أكتوبر 2025- بوقف العمل بنظام “التأجير بسائق”، بعد نحو خمسة أشهر من تشغيله، وإيقاف 12 مركبة، مع الإبقاء على المركبات الخمس العمومية.

وبحسب ما جاء في التحقيق ، فقد نفى مدير عام شركة المجد للنقل المميز والسياحة والسفر – VIP، مجدي نصار، بشكل قاطع وجود أي شبهة فساد أو تقديم رشاوى أو منافع لأي مسؤول، مؤكدا استعداده للمساءلة القانونية في حال ثبوت أي دليل ضده.

وقال نصار: “ولا مرة هذا الحكي، ومرفوض رفض تام.. بحب أشتغل تحت القانون، وغير مستعد لتقديم أي شيء لأي مسؤول”، مضيفا: “إذا في أي إثبات أنني تعاملت مع أي مسؤول بطريقة غير سليمة فأنا مستعد للمحاسبة”.

وأكد أن جميع التراخيص التي حصلت عليها شركته جاءت وفق الأطر القانونية وتعليمات وزارة النقل والمواصلات، قائلا: “كل التراخيص أخذتها في ظروف صحيحة تحت إطار القانون وحسب شروط وتعليمات الوزارة، لا أعرف من الذي سهل الأمور.. كان لدي طلبات ووافقوا عليها، ومشينا حسب التعليمات والقوانين”، مشددا على أنه “لا علاقة لي بأي شبهة من الشبهات” التي أُثيرت.

وفي سياق متصل، قال نصار خلال حديثه إن أحد أفراد عائلته أبلغه بأنه دفع مبلغ 50 ألف دولار لوزير النقل السابق طارق زعرب مقابل الحصول من قبل الوزارة على ترخيص مكتب تكسي لنقل الركاب الفلسطينيين.

وأضاف نصار لدى سؤاله عمّا إذا كان المبلغ قد سُلِّم لزعرب شخصيا، أُبلغ بأن الدفعة “ذهبت لجيبته (زعرب)”، بحسب ما نقله له.

وأوضح في الإفادة نفسها أنه لا يملك أي توثيق أو مستندات تثبت هذه الواقعة، وأن ما أورده يستند إلى ما قاله له (أحد أفراد عائلته الذي قدم المبلغ) فقط.

وفيما يتعلق بعلاقته بوزير النقل السابق طارق زعرب، قال نصار: “لما كان يسافر كان يحتجز عند الإسرائيليين لساعتين وأكثر، كنت أسهل دخوله وأعمل له تنسيق مع الإسرائيليين لتسهيل السفر”، مضيفا: “مرة أعطيته كرتونة فيتامينات صغيرة لاستخدامها لأغراض صحية”، كما أشار إلى أنه “كنت أعطيه خدمات VIP على حساب الوزارة مثله مثل أي وزير أو مسؤول”.

وعن قرار وزارة النقل وقف العمل بنظام “التأجير بسائق”، قال نصار إنه ألحق به أضرارا مالية كبيرة، موضحا: “أنا اشتريت المركبات بـ 2.7 مليون شيكل، ولدي التزامات ورواتب لموظفين يعيلون 98 فردا”. وأضاف أنه عمل ضمن هذا النظام في الفترة بين تموز/ يوليو حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 إلى أن تم وقف العمل بالتأجير بسائق: “أين الخطأ من قبلي؟”، متابعا: “حينما أقدم تراخيص لجهة رسمية ويوافقوا عليها ويوقفوها بعد ذلك ما إلي ذنب إذا في مناكفات بين الحكومة والوزارة والنقابة، ما إلي علاقة”.

وحول الخطوات المقبلة، قال نصار إنه سيمنح فرصة للحل الودي، لكنه سيكون مضطرا للتوجه للقضاء الفلسطيني “لأن ما حدث ظلم، والمشروع كلفني الكثير”، مشددا: “هناك قانون وشغل الزعرنة ما بمشي”.

وأشار نصار إلى أنه خضع للاستجواب من قبل النائب العام “الذي فهم كيف أني مظلوم ولا علاقة لي بوزارة المواصلات”، مضيفا: “رحت عند النائب العام مرتين وديا، والثالثة تحقيق وقعت عليه ولم توجه لي أي تهم”.

بدوره، قال وكيل وزارة النقل والمواصلات محمد حمدان إن وقف خدمة “التأجير بسائق” جاء بعد “ظهور مشاكل واحتجاجات”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن لدى الوزارة خطة يبدأ تنفيذها في 2026، لإعادة تقييم كل قطاع النقل وتنظيمه بما في ذلك النقل على المعابر، بحيث تشمل مراجعة كل العقود والإجراءات والقرارات، للوصول إلى حوكمة الوزارة بأنظمة وقوانين وتشريعات ناظمة بدل القرارات الوزارية.

وأوضح في حديثه للتحقيق، أن “الخطة التشريعية التي تم تشكيلها من قبل مجلس الوزراء تأتي في إطار تحقيق الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص للعاملين في قطاع النقل، بحيث سيتم فتح باب المنافسة على أي خدمة من خدمات الوزارة بما فيها المعابر”.

وقال إن فلسفة الوزير الجديد محمد الأحمد (تسلم مهامه في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر) تقوم على “أساس رفع مستوى اتخاذ القرارات، فبدل من أن تكون متخذة من قبل الوزير، لا بد من تحصينها بدرجة أعلى عبر مصادقة مجلس الوزراء عليها، بحيث لا يستطيع أي وزير لاحق تغيير الأنظمة والقوانين”.

الخلاصة القانونية

من ناحيته، أكد المستشار القانوني في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان، بلال البرغوثي، أن الوقائع التي يكشفها التحقيق تشير بوضوح إلى مخالفات للقوانين والسياسات الحكومية النافذة، ولا يمكن تصنيفها كاجتهادات إدارية أو أخطاء إجرائية.

وقال البرغوثي إن “ما تم منحه لشركة المجد بشكل متكرر يخالف القوانين والسياسات المقرة من الحكومة، ويشير بشكل مؤكد إلى وجود شبهة واسطة ومحسوبية ومحاباة استنادا إلى المادة رقم (1) من قانون مكافحة الفساد”، وهي أفعال تندرج صراحة ضمن نطاق الجرائم التي يجرّمها القانون.

وأشار البرغوثي الى أن خطورة هذه الشبهات تتضاعف في حال ثبوت وجود مقابل، موضحا أنه “في حال كانت الواسطة والمحسوبية والمحاباة غير مجانية، أي بمقابل، فهذا يشير إلى وجود شبهة فساد أخرى وهي الرشوة، وفقا لقانون مكافحة الفساد”.

واضاف “المقابل هنا، ليس بالضرورة أموال مقدمة، فقد يكون عبارة عن منافع معنوية مقدمة أو شراء ولاءات”، ما يوسع دائرة الاشتباه لتشمل أشكالًا غير مباشرة من الفساد.

وأوضح البرغوثي أنه ووفق القراءة القانونية، فإن القضية لا تتعلق بطرف واحد، بل بمنظومة متكاملة من العلاقات، إذ يؤكد البرغوثي: “لا شك لدينا، أن لهذه القضية كما يكشف التحقيق، ثلاثة أطراف: وزارة النقل، وهيئة المعابر والحدود، وشركة المجد (قطاع خاص)”، وهو ما يضع المسؤولية في إطار تشاركي واضح بين القطاعين العام والخاص.

ولفت البرغوثي إلى أن غياب الشفافية الرسمية في مثل هذه القضايا يعزز الشكوك ولا يبددها، موضحا أنه “في ظل ضعف الشفافية المتعلقة بنشر المعلومات المرتبطة بقضايا الفساد التي تثير الرأي العام على الرغم من أن التوجهات الحكومية تشير وفقا لمشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات المنشور على منصة التشريع التابعة لوزارة العدل، تتيح للنائب العام الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بقضايا الفساد الكبيرة، إلا أن عدم النشر -إلا ما ندر- يفتح المجال أمام ما يثار من أن هناك مبالغ كبيرة مقدمة من القطاع الخاص إلى الجهات الحكومية المذكورة”.

واكد البرغوثي أن استمرار غياب الإفصاح والمساءلة في مثل هذه الحالات “يتطلب مزيدا من الإفصاح والتحقيق في هذه القضايا التي تعتبر مثالا بارزا لمفهوم التزاوج بين السلطة ورأس المال”.

وشدد على أنه “في حال حصول المسؤولين في الوزارة والهيئة على أية منافع خاصة، فهنا تكون لدينا شبهة فساد متمثلة بإساءة استخدام السلطة خلافا للقانون، وشبهة استثمار الوظيفة العامة”، وهي أفعال يعاقب عليها قانون مكافحة الفساد وتستوجب المساءلة الجزائية.

إغلاق