مقال يفتح النار على دولة الفساد في السلطة الفلسطينية؟ نظام التنفيع وزواج المصلحة

رام الله- الشاهد| قال الكاتب والمحلل السياسي حسن العاصي إن الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية كشفت عن هشاشة قيادة السلطة الفلسطينية، التي تعاني من ضعف وعجز شديدَين، إذ لم تتمكن طوال فترة حرب الإبادة على غزة، إلا من إطلاق التصريحات التي تدعو حركة حماس للاستجابة لمقترحات تسليم سلاحها.
وذكر العاصي في مقال أن السلطة فيما سوى ذلك غائبة عن المشهد تماما ولم تستطع حماية الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة الغربية التي تتوغل فيهما الآليات العسكرية الإسرائيلية قتلاً وتدميرا وجنود الاحتلال حولتا الضفة الغربية إلى غزة ثانية وباتت المعاناة واقعاً مريراً لحياة الفلسطينيين اليومية في كل فلسطين، وخاصة في الضفة الغربية التي تفرغ من سكانها.
وأكد أن السلطة الفلسطينية مجرد نظام صوري دمية بلا سلطة حقيقية، ويقبع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.
وأشار العاصي إلى أنه يجب على الفلسطينيين الحصول على إذن إسرائيلي للقيام حتى بأبسط الأمور الحياتية التي يعتبرها الناس في الديمقراطيات الحقيقية أمراً مسلماً به، بما في ذلك السفر بين البلدات والمدن، والطيران من مطار بن غوريون، أو عبور الحدود إلى الأردن المجاور. غالباً ما يكون السماح بهذه الأمور من عدمه رهناً بأهواء الجنود الإسرائيليين وأجهزة المخابرات.
ويعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية في ظل نظام فصل عنصري. هذا ليس مجرد تشبيه بجنوب إفريقيا في الماضي بل هو حقيقة موضوعية في قوانين “إسرائيل”.
وبين أن جزء من الشعب الفلسطيني الذي اعتقد أن تشكيل السلطة إنجاز لابد من حمايته والدفع به لتحقيق إنجازات أخرى، اكتشف أن هذا الاتفاق الذي أبرم مع “إسرائيل” لا يعبر عن أمنه ومصالحه ولا عن أهدافه، بل وجد المواطن الفلسطيني نفسه أنه يعاني من سلطتين، سلطة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية التي ألزمتها “إسرائيل” بالتنسيق الأمني معها ضد كافة النشطاء والمناضلين الفلسطينيين ما تسبب باغتيال عشرات من خيرة أبناء شعبنا، واعتقال الآلاف منهم .
وأكد العاصي أن السلطة الفلسطينية أعادت إنتاج نظام التنفيع الذي ورثته من منظمة التحرير، وبدلاً عن المضي في بناء مؤسسات لمختلف القطاعات واعتماد مبدأ الكفاءة والجدارة، باتت علاقات المنفعة والمصالح الشخصية والولاءات هي السياسة المعتمدة لهيكل السلطة، كأداة قوية وفاعلة في الاستيعاب للمنتفعين والمتسلقين والانتهازيين، ووسيلة لإقصاء الشرفاء والمناضلين وأصحاب الكفاءة .
وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية أخذت تكسب ولاء الناس بالحصول على مورد اقتصادي، ما أدى إلى تضخم شديد في القطاع الحكومي العام للسلطة ببلوغ عدد موظفيها 170,000 موظف تعتمد رواتبهم على المعونات الدولية. المصيبة أن 44% منهم يتبعون الأجهزة الأمنية وبالتالي يستحوذون على نصف الميزانية، بينما يا للسخرية لا يتم صرف سوى واحد في المئة على قطاع الزراعة على سبيل المثال.
ونبه إلى أنه ساهمت هذه السياسة في مأسسة الفساد وانتشاره، وهو ما كانت “إسرائيل” تريده من خلال إنشاء سلطة بعد أوسلو تكون منتفعة وضعيفة تتحكم فيها من خلال الموارد من الموارد المالية.
وأشار إلى توزيع المناصب في هيئات وإدارات السلطة على المحسوبيات والمقربين، حتى المعارضة السياسية من مستقلين ويساريين وإسلاميين لم تستثنى من هذه الامتيازات، فتم دمج الآلاف منهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومنحوا مناصب في القطاع الحكومي مقابل ولائهم السياسي .
كمل برزت في النظام السياسي الفلسطين ظاهرة زواج المصلحة بين رجال الأعمال ورجال السلطة وهذا هو الشكل الأكثر انتشاراً للفساد، يستمد قوته من تمتع النخب بالحصانة السياسية والاجتماعية والقانونية ،فامتلأت الحسابات المصرفية لآلاف الفاسدين بالمال الفاسد .
كما أن استغلال المناصب لتحقيق مكاسب شخصية وعشائرية يشكل ظاهرة واضحة في مؤسسات السلطة، إبرام صفقات مشبوهة، استخدام موارد السلطة والوزارات للأغراض الشخصية، سرقة الممتلكات الوظيفية وإهدار المال العام ، حتى أن إحدى عمليات التدقيق والرقابة أثبتت أن حوالي 40% من ميزانية السلطة قد أسيء استخدامها. وفق العاصي.
وبين أن “إسرائيل ساهمت بتعزيز هذا الفساد في السلطة الفلسطينية وتحسن استغلاله فيما بعد، وتحاول إشغال الرأي العام به لصرف أنظار العالم عن الآثار المدمرة التي تلحقها سياساتها العدوانية بالبنية الاقتصادية والتنمية الفلسطينية، وما تقوم به إسرائيل من تدمير ممنهج للاقتصاد الفلسطيني .
وقال: “سقطت السلطة الفلسطينية بمستنقع الفساد والاستنفاع، وانكشفت عورتها أمام الجميع، وكل أوراق التوت والتين لا تستطيع ستر عورات سلطة هجينة، وليدة اتفاقيات مذلة، حولت جميع الحقوق الثابتة التاريخية للشعب الفلسطيني إلى” مشاكل قابلة للتفاوض” وحولت قضية وطن محتل ومغتصب إلى خلاف على تقاسم نفوذ فيما بينها، وتتبنى سياسة التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، هي العقلية ذاتها التي تطاولت بالكلام بداية على المناضلين والأجنحة العسكرية للفصائل عام 1988 أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى تحت شعار هجوم السلام الفلسطيني”.
وأضاف العاصي: “تحول الهجوم فيما بعد إلى تآمر لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية، واعتقلت أجهزة أمن السلطة قيادة وكوادر ونشطاء المقاومة، وتعاونت مع الاحتلال الإسرائيلي لاغتيال مناضلين.
وشدد على أن السلطة الفلسطينية التي لا سلطة لها على نفسها اساساً، ليست أكثر من أداة وظيفية لدى الاحتلال، وحاجة إسرائيلية لضرب المشروع الوطني. فاتفاقيات أوسلو التي أنجبت السلطة أنهت الحكم العسكري الإسرائيلي، لكنها لم تُنه الاحتلال نفسه، وبينما انشغلت السلطة بإدارة الحياة اليومية، تحول الاحتلال إلى استعمار نظيف قليل التكلفة.
وأوضح العاصي أن أجهزة السلطة الفلسطينية تتولى كافة الملفات القذرة، بينما تتابع “إسرائيل” مصادرة الأراضي وفرض الحقائق على الأرض .
وطالب بإسقاط هذه السلطة لإنهاء عبثية مسار التفاوض مع إسرائيل الذي اثبت عقمه، ولوضعها أمام مسؤولياتها كاملة كسلطات احتلال تجاه الشعب الفلسطيني، وحتى تكف السلطة عن كونها غطاء له.
ومن جهة أخرى لوضع المجتمع الدولي والأطراف الراعية لعملية السلام أمام استحقاقاتهم الموضوعية في فشل مسار التسوية السياسية، وهذا يجب أن يؤدي إلى اعتبار أن شعبنا الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال ومن حقه مقاومة هذا الاحتلال وفق المواثيق الأممية.
وختم: “هذه السلطة المتخمة بالفساد السياسي والأمني والسلوكي والأخلاقي، التي حولت القضية الفلسطينية لممسحة لبعض الأنظمة العربية وسياساتهم وصفقاتهم، سيذكرها التاريخ على أنها سلطة متهمة ومدانة بهزيمة شعبها وقضيته، بعالم لم تعد تعنيه كثيراً قضايا الضمير والحق والعدل، بل يلتفت لمن يملك قوة الفعل والتأثير في مجريات التاريخ”.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=91107