عاجل.. الحكومة الفلسطينية المُوحّدة المؤقّتة في غزة اليوم

رام الله-الشاهد| كتب خالد الحروب.. يتوجّب (ويمكن) فلسطينياً، في هذه اللحظة الحرجة، استباق الآخرين بخطوة أو أكثر، وفرض وقائعَ جديدة تجد الأطراف المختلفة صعوبة بالغة في تجاوزها. أحد التحدّيات والفجوات الكبيرة في خطّة ترامب، التي اجتمع العالم قريباً في شرم الشيخ للاحتفاء ببدء تنفيذ المرحلة الأولى والأسهل منها، يتمثّل في الهيئة التي سوف تحكم غزّة وتدير شؤونها، إلى أن يجري تشكيل أيّ صيغة حكم مُستندة إلى خطّة ترامب، الأمر الذي سيستغرق جهداً ليس بالقليل، ووقتاً ليس بالمحدّد، فإنّ ثمّة فراغاً إدارياً تملأه قوة الأمر الواقع. من يدير غزّة يعني، من ناحية زمنية وظرفية، من يديرها هذا الأسبوع والأسابيع المقبلة الحاسمة. الواقع يقول، وكما بدا في اليوم الذي أُعلن فيه الالتزام بوقف إطلاق النار وتوجّه مئات الألوف من جنوب القطاع إلى شماله، فإنّ القوة الفلسطينية الأقدر على حفظ الحدّ الأدنى من الأمن العام هي حركة حماس. وقد ظهر عناصر حكومة “حماس” في مواقع عديدة لتنظيم ما أمكن تنظيمه، وتوفير ما أمكن من خدمات بلدية ودفاع مدني وسوى ذلك. هذا يتيح لها أن تقول إنها ما زالت القوة الأهم على الأرض رغم كل ما حدث، وإن أيّ توافق على أيّ شكل لحكم القطاع لا بدّ أن توافق عليه الحركة، لكن هذا الوضع العلني والمُعلن بشأن سيطرة “حماس” يوفّر، في الوقت نفسه، المسوّغ والاستفزاز المطلوب لنتنياهو وإسرائيل، وحتّى أميركا، لاستئناف الحرب بعد تسلّم المحتجزين وفقدان “حماس” أهم ورقة تفاوضية. ما الذي يمكن عمله في هذه الفسحة الزمنية القصيرة فلسطينياً لسدّ فجوة الإدارة المحلّية من ناحية، وتمكين التسيّس الفلسطيني والكيانية الفلسطينية من احتلال قلب المشهد والبقاء في مقدّمته؟
يمكن اقتراح الآتي، فكرةً أوّليةً يمكن تطويرها والبناء عليها، إن كانت عمليةً ومعقولةً، وهي أن تستبق القوى الفلسطينية (“حماس” والسلطة الفلسطينية والفصائل والمستقلّين) الجميع وتشكيل حكومة أمر واقع مؤقّتة تدير شؤون الفلسطينيين في القطاع، تسمّى “الحكومة الفلسطينية المُوحّدة والمؤقتة”. تحت هذا المُسمى تشتغل كل قوى الأمن والشرطة، وتفعّل الأطر التابعة للسلطة الفلسطينية، وتضمّ عناصر جديدة، وتحتها تشتغل قوى الدفاع المدني، وكل القطاعات المدنية التي تستردّ جزءاً من عافيتها مثل التربية والتعليم والصحّة والبلديات وسوى ذلك، ويترأّسها مجموعة من التكنوقراط المتوافق عليهم فصائلياً. هذه الحكومة تملأ الفراغ القيادي والإداري على الفور، وتقطع الطريق على أيّ تشكيل مفروض على الفلسطينيين من فوق، وتكتسب شرعيتها، ليس من التوافق الفلسطيني العريض فحسب، بل (والأهم) من قدرتها على العمل في أرض الواقع واستلامها زمام الأمور على الفور، وعدم انتظار الأطراف الأخرى لتقرّر للفلسطينيين من يقودهم.
سيكون من الصعب إقليمياً ودولياً الوقوف ضدّ حكومة فلسطينية موحّدة تنشأ على الفور حكومة طوارئ (Ad hoc government) استجابة للظرف الاستثنائي في قطاع غزّة. على أيّ قاعدة وأساس يمكن لأيّ دولة أو طرف الاعتراض على آلية حكم وطنية تشكّلت وفق إجماع الأطراف لإدارة مليوني إنسان يواجهون أصعب أنواع التحدّيات السكنية والصحّية والتعليمية والإغاثية؟… سيكون الأصعب على أي طرفٍ مواجهة هذه الحكومة، التي تفاجئ الجميع بتشكيلها عندما تُعلِن التزامها خطة ترامب التي توافق عليها مع الدول العربية والإسلامية (أي الخطّة الاصلية).
من جهة مصلحة قطاع غزّة والغزّيين، وهي المصلحة الأولى الملحّة الآن، وأولوية الأولويات، يُبعد هذا الحلّ “حماس” من صورة المشهد السياسي وكأنّها المسيطرة على حكم غزّة، وينزع الذريعة الأساسية التي سوف تستخدمها إسرائيل لاستئناف الحرب. وتشتري هذه الحكومة وقتاً أطول وتوفّر بديلاً قائماً تعتمد عليه الأطراف، سواء كلّياً أو جزئياً. وفي الأسابيع التي سوف تمرّ، وانشغال الأطراف في تشكيل “صورة غزّة” في “اليوم التالي”، تكون الحكومة المُوحّدة اكتسبت شرعيةً إضافيةً من وجودها في الأرض، واعتماد الناس عليها، ومن عملها اليومي، الإداري والاغاثي.
من ناحية فلسطينية وطنية عامة، تعيد هذه الحكومة ربط الكيانية الفلسطينية السياسية والجغرافية، وتقطع الطريق على الاستراتيجية الإسرائيلية التي تريد شكلاً إدارياً وسياسياً لقطاع غزّة لا تكون له علاقة ببقية فلسطين. وعندما يظهر الفلسطينيون أمام العالم أجمع موحّدين وعلى وجه السرعة، فإنّ هذا يعني أنهم محلّ ثقة عشرات الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية أخيراً، بل ستبدو الحكومة الفلسطينية المؤقّتة في غزّة استجابةً فوريةً لتلك الاعترافات، ومنسجمة مع طلباتها.
من جهة “حماس”، تمثل هذه الحكومة اختباراً لصدقيّة تصريحاتها المتواترة حول ابتعادها من حكم غزّة متفرّدةً، وتسليمها الحكومة لجهة فلسطينية وطنية متوافق عليها فلسطينياً، وليست مفروضة على “حماس” وعلى الفلسطينيين من العالم والإقليم. عبر القيام بخطوة كهذه، تظهر “حماس” صاحبةَ مبادرةٍ نحو الإجماع الفلسطيني الوطني، وتتفادى القيام بالخطوة ذاتها نتيجةً للضغط الخارجي. إذا فكّرت “حماس” بأنها قد تتمكّن من مواصلة تصدّر المشهد بعد انتهاء المرحلة الأولى من خطّة ترامب، من دون أثمان باهظة، وعودة الحرب، فعليها أن تعيد التفكير مرَّتين وعشر مرّات. الحلّ الوطني الجماعي يحمي قطاع غزّة، ويحمي “حماس” أيضاً، ويوفّر بقاء الزخم الإقليمي والدولي الداعم لوقف الحرب.
في حال تلكأت بعض القوى المُتنفّذة في السلطة في رام الله، واعتقدت أن هذه الحكومة المقترحة سوف تُنقذ “حماس” من الغياب التام، وهو ما كانت تتمنّاه طوال الحرب، فثمّة شكل ثانٍ للاقتراح، يتمثّل في أن تتبنّاه “حماس” على وجه السرعة، ودعوة من يقبل من الفصائل والمستقلّين لتشكيل هذه الحكومة الموحّدة والمؤقّتة، بحيث تملأ هذه الحكومة الجديدة أيّ فراغ إداري أو إغاثي يبرز، وتتصدّر هي (وليس “حماس” ورموزها) المشهد السياسي والإعلامي. سيقول بعضهم إنّ هذا التذاكي لن يمرّ على الآخرين، وخصوصاً إسرائيل وأميركا، وهذا صحيح. ولكن في ظلّ الصعوبات الهائلة التي سوف يواجهها الجميع، ربّما تخلق هذه الحالات الرمادية مساحاتٍ للأطراف المختلفة، وللدول العربية والإسلامية هوامش مناورة لإسناد الحكومة الجديدة، من دون خشية الاتهام بأنها تدعم وتساند حكومة تابعة لـ”حماس”.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95292