خلفيات الشماتة في المقاومة الفلسطينية

خلفيات الشماتة في المقاومة الفلسطينية

رام الله – الشاهد| محمد شركي.. نشر موقعًا شهيرًا مقالًا بعنوان: (هدنة الوهم انتصار في اللغة وهزيمة في الواقع) وقّع أسفلَه صاحبُه بعبارة “إعلامي مغربي مقيم بإيطاليا”.

وجريا على عادة قراء المقالات أن يستشرفوا مضامينها انطلاقا من العناوين التي يضعها أصحابها ويفترضون فرضيات تمحص بعد الاطلاع عليها بدا لي أن هذا العنوان ربما قصد واضعه أن يحذو حذو من لم يثقوا في التزام الكيان الصهيوني بالهدنة مع المقاومة كعادته إلا أن هذه الفرضية لم تصح وثبت بعد القراءة أن الأمر يتعلق بشماتة صاحب المقال بالمقاومة الفلسطينية.

وقبل التطرق إلى موضوع هذه الشماتة و إلى خلفية صاحبها لا بد من التذكير بنماذج سابقة من شماتات وقعت منذ بداية طوفان الأقصى وقبل هذه الهدنة الأخيرة التي ربما قد يصح أنها وهمية كسابقاتها باعتبار المعهود في الكيان الصهيوني وفي الإدارة الأمريكية الداعمة له .

وأول شماتة كانت من لدن السلطة الفلسطينية وقد ورد على لسان من يرأسها والذي ظل لعقود يراهن على مسلسلات السلام الوهمية حقيقة لا مجازا مع الكيان الصهيوني، وعلى إلقاء سلاح المقاومة واستبداله بسلاح عميل يوفر الأمن للمحتل ويعمل من يحملونه جنبا إلى جنب معه لتصفية المقاومين في الضفة الغربية . ودون التفصيل في عبارات الشماتة بصناع طوفان الأقصى تكفي الإشارة إلى العبارة النابية الصادرة عن رأس السلطة الفلسطينية وهو يطالب بالإفراج عن الرهائن الصهاينة مجانا ودون مقابل بخلفية التودد إلى المحتل ،وإظهار التعاطف مع رهائنه، ومواصلة الرهان على حلم مسلسل سلام وهمي معه .

ومن نماذج الشماتة أيضا ما صدر عن محسوبين على التدين في بعض الدول حيث ظهروا في فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي بلحاهم المرسلة وبعضهم يدعو إلى نوع جديد من الجهاد لم يعرف من قبل قد سماهم جهاد بالسنن ، وخلفية هؤلاء معلومة وهي خدمة جهات تصرف لهم رسوما مقابل شماتتهم بالمقاومة الفلسطينية .

ومن نماذج الشماتة كذلك شماتة طائفة رفعت شعار » كلنا إسرائليون » وخاضت كل خوض في تجريح المقاومة الفلسطينية لا حاجة لسردها ، وخلفية هؤلاء معلومة لا حاجة أيضا للحديث عنها وقد تبين خيطها الأبيض من خيطها الأسود. أما صاحب الشماتة في هذا المقال فقد كشف عن خلفيته من خلال عبارة تضمنها

مقاله وهي كالآتي :

( كما في كل مرة، سارعت حماس، وسيسارع مؤيدوها لدينا، إلى تقديم هذه الهدنة بوصفها “انتصاراً جديداً”، وسيبدأ الإعلام المقرّب منها في الحديث عن نصر سياسي كبير، بينما الحقيقة أن ما جرى ليس سوى محاولة يائسة لإنقاذ ماء الوجه بعد عامين من المآسي والهزائم…..

….هذه ليست المرة الأولى التي يُحوَّل فيها الفشل إلى بطولة. فمنذ سنوات، يعيش خطاب الإسلام السياسي على هذا النوع من الانتصارات اللفظية التي لا تُترجم شيئاً في الواقع ).

فالواضح من هذا الكلام أن صاحبه له موقف مما سماه الإسلام السياسي وهي تسمية من اختراع المجمعات الغربية العلمانية تلقفها عنها العلمانيون العرب وهم يستعملونها في إطار صراعهم الإيديولوجي مع كل من له توجه إسلامي ، ولديهم قناعة راسخة بأن من له مثل هذا التوجه لا يحق له الاشتغال بالسياسة التي يجعلونها حكر عليهم دون غيرهم ، وهم يحظون العلمانيون بدعم مادي ومعنوي من قبل بعض الأنظمة التي تتبنى موقف الغرب العلماني من كل ما له صلة بالإسلام .

لقد قفز صاحب المقال عن سبب حرب غزة الأخيرة المسبوقة بسلسلة من حروب متكررة طيلة ما يقرب من عقدين كانت تقع في أيام معدودات خلاف ما وقع هذه المرة ألا وهو الحصار الخانق الذي دام سبع عشرة سنة برا وبحرا وجوا وهو ما حول قطاع غزة إلى سجن يضم أكثر من مليونين ونصف المليون من البشر المحاصر . كما قفز عن داعي طوفان الأقصى وهو الاستعدادات التي كانت جارية على قدم وساق من أجل تنزيل ما سمي اتفاق أبرهام الذي تنطبق عليه قولة : » وضع العربة قبل الفرس » حيث رام واضعوه على تسريع وتيرة تنزيله لتعميم التطبيع مع الكيان قبل نيل الشعب الفلسطيني حقه كاملا غير منقوص . ولم يكن أمام المقاومة التي ألحقت بها تهمة الإسلام السياسي والإرهاب من طرف الغرب العلماني ومن طرف أنظمة عربية تعزف على وترها وكذا أمام طي ملف القضية الفلسطينية سوى الإقدام على طوفان الأقصى من أجل نفض الغبار عنه .

ولقد كانت المقاومة وهي بالمناسبة متعددة التوجهات لكن يجمعها هدف واحد هو مواجهة الكيان الذي يحتل وطنها وهو مصر على ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما احتله منذ سنة 1948 و 1967 بعدما نجح في تحييد دول المواجهة معه وذلك عبر عقد صفقات معها أتاحت له الانفراد بالشعب الفلسطيني وتحقيق أهداف الضم واستكمال احتلال كامل أرض فلسطين ليتفرغ فيما بعد إلى التوسع خارج حدودها من أجل تحقيق ما يزعم أنه وطنه التلمودي الممتد من فرات العراق إلى نيل مصر وابعد من ذلك .

والسؤال المطروح على صاحب المقال هو ماذا كنت أنت فاعلا لو اقتحم عليك معتد بيتك وحوصرت فيه ، وسامك الخسف المقتحم كل مرة وأنت حبيس بيتك وقد خذلك الأقارب والجيران وأيدوا من يحاصرك إما خوفا منه أو تآمرا معه أو هما معا ؟

وأجزم أن صاحب المقال لا مناص له من التصرف تماما كما تصرفت المقاومة الفلسطينية دفاعا عن النفس والوطن والكرامة والعرض . وإذا كان الأمر كذلك فلِمَ يلوم صاحبنا هذه المقاومة ويشمت بها ويصف صمودها بالهزيمة النكراء والخسارة الفادحة .

ونسأله أيضا إذا كان ما قامت به المقاومة عبارة عن هزيمة في نظره فلماذا عجز المحتل ومن ورائه كل القوى الغربية التي زوده بمائتي ألف طن من المتفجرات التي أمطر بها المدنيين الغزل الأبرياء عن استرجاع رهائنه بالقوة ؟ وما الذي اضطره إلى التفاوض مع المقاومة ـ المنهزمة حسب وصفه ـ في صفقة تبادل لتحريرهم وهو الطرف الأقوى وصاحب العتاد الذي لا مثيل له في العالم كما وصفه الرئيس الأمريكي الذي شهد على ذلك قبل يومين بعظمة لسانه في الكنيست الإسرائلي معترفا بأنه هو زوده به ؟

لا شك أن صاحب المقال لا يوجد في قاموسه مفهوم المقاومة التي ليست حكرا على الفلسطينيين إذ قد سبقتهم إليها شعوب كثيرة عربية وإسلامية وغيرها . وهل كانت المقاومة في المغرب ضد المحتل الفرنسي والإسباني وهما ؟ وهل كانت وهما أيضا في الجزائر، وفي فيتنام، وفي جنوب إفريقيا، وفي أفغانستان…؟

إن مفهوم المقاومة في كل العصور وفي العصر الحديث يعني مواجهة المظلوم الضعيف الظالم المعتدي القوي ، وليس من المنطقي أن يعاب على المظلوم مواجهته للظالم بما يتاح له من وسائل المواجهة ، بل العيب كل العيب أن يتحمل الظلم ولا يقاومه . ومعلوم في تجارب الثورات التحررية غير البعيد والتي كانت في العصر الحديث أنها لا تلقي بالا للخسائر في الأرواح والممتلكات ، بل تضع نصب عينيها خسارة واحدة هي ضياع الوطن ، والعيش المخزي تحت نير الاحتلال ، ولو كانت تضع في حسابها الخسائر والتضحيات لما حملت سلاحا أصلا . ونطلب من صاحب المقال أن يقترح على المقاومة حلا لنيل حقها دون تضحيات .

إن حساب الانتصار والهزيمة في صراع كل المقاومات ضد المحتلين التي شهدها التاريخ الحديث بما في ذلك صراع المقاومة الفلسطينية الأخير مع الكيان الصهيوني يكون صاحبه خاطئا كل الخطأ إذا ما صدر في ذلك عن مقارنة بين طرفي صراع مع اختلال موازين القوة بينهما ، وهو ما لا يكون معقولا مقبولا عند العقلاء . و كل طرف يكون له تقييمه الخاص لمفهومي الانتصار والهزيمة. ويكفي الطرف المعتدي القوي ذل الهزيمة المرة تورطه في صراع غير متكافئة فيه القوة مع طرف ضعيف معتدى عليه حتى وإن أثخن فيه القتل وأشاع فيه الدمار. إن أحرار العالم من غير طينة صاحب المقال وهم كثر والحمد لله يعتبرون الطرف المنهزم في هذا الصراع الأخيرهو المحتل الصهيوني والدليل على هزيمته هو العزلة الدولية التي لحقت به ، وكفى شهادة على ذلك لحظة انسحاب وفود الدول في مقر الجمعية العامة لما انتصب رئيس وزرائه فوق منصة الخطابة ،ولم تبق أمامه سوى كراسي شاغرة . ولا حاجة لذكر ما ألحقت المقاومة بجيشه من خسائر أفقدته صوابه فصار يدك المدنيين بكل وحشية وهمجية للتغطية على هزائم حقيقية وليست خيالية و هي مخزية بالنسبة لجيش نظامي يدعي أن مرتبته في العالم جد متقدمة ،وهو مدجج بكل أنواع الأسلحة ويغطيه في نزاله على الأرض عطاء سلاح الجو والمسيرات، وتدعمه وتشاركه في القتال جيوش الدول الامبريالية وغيرها من الجيوش مع عصابات المرتزقة.

وأخيرا نقول إن موقف صاحب هذا المقال الشامت بالمقاومة إنما يقفه معه كل ذي خلفية انتهازية تضمر مصلحة يريد أن يموه عليها أو يخفيها لكنها صارخة وفاضحة ومخزية ومورثة أصحابها العار والشنار.

إغلاق