من مسالخ الاحتلال.. جريمة بلا شهود وصمت بلا حدود
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول الشهادات التي أفاد بها الأسرى المفرج عنهم ضمن صفقة التبادل والتي تظهر حجم الأهوال التي يعاني منها الأسرى في سجون الاحتلال، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
رغم أن الجريمة في العادة تُرتكب في الظل، فإن إسرائيل اليوم ترتكبها في الضوء، تحت كاميرات العالم، دون أن تشعر بحاجة إلى التستر أو الاختباء، لم تعد تخشى صور الجثث الممزقة أو الأجساد التي تحمل آثار التعذيب والتكبيل والتجويع، ولا تبالي إن رآها الناس تدهس الأسرى بالدبابات أو تسرق أعضاءهم ثم تحشو أجسادهم بالقطن، وكأنها تمارس طقساً وحشياً مقدساً في معبد القوة، هي لا تخاف الفضيحة، لأنها تعرف أن الفضيحة بلا جمهور، وأن الإعلام الغربي الذي يملأ الدنيا ضجيجاً عن “حقوق الإنسان” سيصمت، بل سيتواطأ بصمته.
إسرائيل تدرك أن من يحتكر الصورة يملك الحقيقة، وأن من يسيطر على الإعلام لا يُحاكم على جرائمه، بل يعيد تعريفها، لهذا تمارس القتل بدم بارد، وتعرضه بلا وجل، لأنها تعرف أن العالم سيبرر، وأن الصحف الكبرى ستبحث لها عن عذر، وأن المتحدثين باسم “الديمقراطيات الغربية” سيعيدون صياغة الجريمة لتبدو “دفاعاً عن النفس”.
لم يعد التعذيب فعلاً استثنائياً في قاموس الاحتلال، بل صار جزءاً من طبيعته، من عقيدته الأمنية ومن مشروعه القائم على سحق الفلسطيني وتجريده من إنسانيته، فكل جسد فلسطيني بالنسبة للآلة العسكرية الإسرائيلية ليس سوى مادة اختبار، وكل أسير مشروع رسالة رعب لبقية الفلسطينيين، وكل جثة تُستعاد بعد التعذيب تحمل شهادة موثقة عن انهيار القيم الدولية، وعن سقوط ما تبقى من أخلاق في عالمٍ منحاز إلى القاتل ومُعرضٍ عن الضحية.
ومع كل جثة تعود إلى غزة أو الضفة، تعود الحقيقة أيضاً، جثةً أخرى، لتُدفن تحت الركام، لأن الإعلام العالمي يرفض أن يراها، هنا تكمن المأساة الكبرى، فالصمت لم يعد حياداً بل صار تواطؤاً، بل شراكة فعلية في استمرار الإبادة، الغرب الذي روّج طويلاً لشعارات العدالة وحقوق الإنسان بات اليوم شريكاً في قتلها، لا بالصواريخ بل بالكاميرا التي تغضّ بصرها عن الحقيقة، وبالمنصات التي تحذف رواية الضحية وتبقي فقط على رواية الجلاد.
لهذا لم تعد إسرائيل تخاف شيئاً، لأنها تعرف أن الكلمة التي تُقال حول العالم أقوى من الصرخة التي تُطلق في غزة، وأن صورة واحدة لرهينة إسرائيلية تكفي لطمس صور آلاف الفلسطينيين الذين يُعذبون حتى الموت، وتُسرق أعضاؤهم، وتُعاد جثثهم محشوة بالقطن، هذه ليست حرباً على الفلسطينيين فقط، بل حرب على الحقيقة نفسها، على المعنى الإنساني، على قدرة العالم على التمييز بين الجريمة والعدالة.
فحين يصبح القاتل هو من يروي الحكاية، تتحول المذبحة إلى رواية بطولة، ويتحول الضحية إلى ظلٍ لا اسم له، هكذا تعيش إسرائيل اليوم زمنها المثالي: زمن الإفلات من العقاب في ظل صمت دولي صاخب، وزمن السادية التي تُمارس أمام الكاميرات كأنها عرض قوة، لا كجريمة ضد الإنسانية.
لكن التاريخ لا يُكتب بالإعلام فقط، بل بالدم أيضاً، والدم الفلسطيني الذي يسيل في كل بيت، في كل سجن، وفي كل جثة مُحشوة بالقطن، سيبقى الدليل الأبدي على أن إسرائيل ليست دولة تبحث عن أمن، بل كيان يعيش على التمتع بالسادية ويبتكر وسائل التعذيب، ويتغذى على الصمت الغربي، ويزدهر في زمن انكسار الضمير الإنساني أن وجد.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95469