المقاومة تصنع الحرية.. قراءة في مسار صفقات تبادل الأسرى مع الاحتلال

رام الله – الشاهد| أظهرت المشاهد التي غمرت شبكات التواصل أمس واليوم حجم الدهشة والوجع معًا، لرجال في الخمسين والستين، خرجوا من بوابات الأسر على عتبة وطنٍ تغيّر وجهه وملامحه، يتلقفهم أبناء وأحفاد وقفوا مذهولين أمام آباء شابت لحاهم وذابت أجسادهم، ولم يعرفوا منهم سوى صور باهتة كانت تزيّن الجدران.
في مشهد استقبال أسرى صفقة “طوفان الأحرار”، كانت الأمهات يمددن أيديهنّ نحو الوجوه، يتلمّسن الملامح كما لو أن الذاكرة تخونهنّ، ثم ينفجرن بالبكاء حين يلتقطن نبرة الصوت أو رعشة العين التي لا تخطئها الأمومة.
على وجوه المحررين، بدا الزمن نفسه متجمّدًا، ثلاثون عامًا وأكثر قضاها العديد منهم خلف القضبان الاحتلال الإسرائيلي، بينما تدور الحياة في الخارج دورةً كاملة دونهم. لم يكن المشهد مجرد عودة أفراد إلى بيوتهم، بل عودة زمنٍ بأكمله منسيّ، عودة جيل من المناضلين الذين كبروا في سجون بينما كبر أولادهم ونظرائهم على قصصهم.
قصص تؤكد في كل مرة أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. فإسرائيل – كما تُثبت كل التجارب – لا تُفرج عن هذا العدد الكبير من الأسرى إلا تحت ضغط النار والميدان، حين تفرض المقاومة معادلتها بالقوة، وتعيد تعريف مفهوم الحرية على طريقتها: حرية كتبت هذه المرة بدماء غزة، ووقت بأنقاض منازل أهالها، لتبقى هذه المدينة شاهدة وشهيدة على كفاح لا ينقطع ولا يسقط بالتقادم.
وفي واحدة من أكبر صفقات التبادل مع الاحتلال، حررت المقاومة الفلسطينية ضمن صفقة “طوفان الأقصى” 3985 أسيراً، من بينهم 486 من ذوي المؤبدات (المؤبد 99 عاما)، و319 أسيراً من ذوي المحكوميات العالية، إذ شكّل الأسرى الفلسطينيون منذ عقود أحد أعقد ملفات الصراع مع الاحتلال، حيث تتعامل سلطات الاحتلال معهم بوصفهم “ورقة ضغط تفاوض” بينما ينظر إليهم الفلسطينيون كرمز للكرامة الوطنية وامتداد لحركات التحرر التي واجهت الاستعمار حول العالم.
وفي كل محطة من محطات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ عام 1948، ظلّ تحرير الأسرى عنواناً مركزياً للمقاومة الفلسطينية، ومرآةً لميزان القوة الحقيقي بين شعب متجذر بأرضه ومحتل فائض الغطرسة. فالدولة المارقة (إسرائيل) التي تملأ العالم بضجيج “الديمقراطية والجيش الأكثر أخلاقية”، لم تُفرج يوماً عن أسير فلسطيني مقاوم بإرادتها أو من منطلق إنساني أو قانوني، بل كان ذلك دومًا نتيجة لفعل مقاوم منظم، أو ضمن صفقات تبادل فرضتها عليها حركات المقاومة تحت نيران الاشتباك، مستندة إلى حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال بمقاومته، وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي الإنساني التي تكرّس حق تقرير المصير.
وينظر اليوم إلى صفقة طوفان الأقصى، باعتبارها الأكثر أهمية في تاريخ الصراع، بالنظر إلى حرب الإبادة الإسرائيلية التي شنها الاحتلال على غزة على مدار 735 يوماً منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن إسرائيل وافقت على ما لا يقل عن سبع عمليات تبادل أخرى خلال العقود الثلاثة الماضية، بعضها عربي، وبعضها أكبر من عملية التبادل الأخيرة.
- فبراير 1980: أطلق الاحتلال سراح الأسير مهدي بسيسو “أبو علي” ووليام نصار، مقابل إطلاق سراح المواطنة الأردنية “أمينة داوود المفتي”، التي عملت جاسوسة لحساب الموساد الإسرائيلي.
- نوفمبر 1983: في أكبر صفقة على الإطلاق، تبادلت إسرائيل أكثر من ٤٥٠٠ أسير فلسطيني بستة جنود إسرائيليين كانوا أسرى لدى منظمة التحرير الفلسطينية. كان معظم هؤلاء الأسرى محتجزين في معسكر أنصار جنوب لبنان، والذي أُغلق عقب عملية التبادل.
- يونيو 1984: أطلقت سلطات الاحتلال سراح 291 جندياً سورياً، و13 مدنيا سوريا، و85 معتقلاً المقاومة اللبنانية، و64 جثمانا سوريا، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين وخمس جثث لجنود آخرين كانوا قد أسروا على أيدي الجيش السوري.
- مايو 1985: بموجب ما عُرف بـ”صفقة جبريل” تبادل 1155 أسيرًا فلسطينيا بثلاثة إسرائيليين اعتقلتهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في لبنان. استغرقت المفاوضات حول هذه الاتفاقية قرابة عام.
- يوليو 1985: أُطلق الاحتلال سراح ٣٣١ لبنانيًا ضمن صفقة تبادل مقابل ٣٩ أجنبيًا احتجزتهم حركة الجهاد الإسلامي على متن طائرة “بيونغ” الأمريكية المتجهة إلى بيروت.
- يوليو 1996: التوصل إلى اتفاق بين الاحتلال وحزب الله، بوساطة ألمانية، لتبادل جثامين 123 مقاتلاً مقابل رفات جنديين إسرائيليين.
- أكتوبر 1997: أطلقت حكومة الاحتلال سراح الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، والذي كان معتقلاً في سجونها منذ العام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، مقابل إطلاق الحكومة الأردنية سراح عملاء للموساد الإسرائيلي حاولوا اغتيال رئيس مكتب حماس السياسي خالد مشعل.
- يونيو 1998: تحرير 60 أسيراً لبنانياً، و40 جثماناً لمقاتلين من حزب الله، من بينهم هادي نجل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مقابل تسليم رفات الرقيب “إيتامار إيليا” من وحدة الكوماندوز في سلاح البحرية الإسرائيلي.
- أغسطس 2003: أفرجت سلطات الاحتلال عن جثامين مقاتلين من “حزب الله” مقابل السماح للوسيط الألماني بزيارة العقيد إلهانان تانينباوم، المحتجز لدى الحزب، ثم مطلع 2004 جرت صفقة تبادل، أفرج الاحتلال بموجبها عن 462 معتقلاً فلسطينياً ولبنانياً، وأعادت جثث 59 لبنانياً، وكشفت عن مصير 24 مفقوداً لبنانياً، وسلمت خرائط الألغام في جنوب لبنان، وغرب البقاع، كما أفرج بموجبها عن 431 فلسطينياً من الضفة الغربية وقطاع غزة.
- يونيو 2008: حرر حزب الله ضمن عملية “الوعد الصادق”، عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار، وأربعة مقاتلين آخرين، مقابل جثتي جنديين إسرائيليين تم أسرهما خلال عملية عسكرية في يوليو 2006.
- أكتوبر 2011: حررت حركة حماس ضمن عملية “وفاء الأحرار” 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، الذي أسرته كتائب القسام في عملية “الوهم المتبدد” عام 2006.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95313