زيتون الضفة… بين بنادق المستوطنين وتواطؤ الخائبين

زيتون الضفة… بين بنادق المستوطنين وتواطؤ الخائبين

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول اعتداءات المستوطنين المتصاعدة على المواطنين خلال موسم قطف الزيتون، وسط حالة من المواجهة غير المتكافئة بين المستوطنين المدججين بالسلاح والمدعومين من جيش الاحتلال، في مقابل المواطنين العزل، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

في موسم الزيتون، حين يخرج الفلاح الفلسطيني إلى أرضه التي ورثها عن آبائه وأجداده، تبدأ الحكاية السنوية ذاتها من الألم والصمود، إذ تتصاعد اعتداءات المستوطنين على المزارعين الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية بالتزامن مع موسم قطف الزيتون، في حملة منظمة تستهدف الإنسان والأرض والشجر معًا، وتتم تحت حماية مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تقف إلى جانب المستوطنين وتحرس جرائمهم، فيما يتصدى الأهالي بصدورهم العارية وإرادتهم الصلبة لهجماتٍ همجيةٍ تعيد إلى الذاكرة أبشع فصول الاستيطان والتهويد.

لم تعد هذه الاعتداءات مجرد حوادث متفرقة أو أعمال فردية، بل تحولت إلى نهج ممنهج يسعى لاقتلاع الفلسطيني من أرضه، عبر الاعتداء الجسدي على المزارعين وسرقة محاصيلهم وحرق أشجار الزيتون وقلعها من جذورها، وكأن الاحتلال يشن حربًا موسمية موازية لحربه العسكرية في غزة، هدفها كسر روح الفلاح الفلسطيني وإفراغ الريف من أهله وتوسيع رقعة المستوطنات التي تلتهم ما تبقى من الأرض الفلسطينية يوماً بعد يوم، في قرى الخليل ونابلس وسلفيت وبيت دجن وبورين وغيرها، تتكرر المشاهد ذاتها، مستوطنون مسلحون يهاجمون المزارعين وسط صمتٍ دولي وتواطؤٍ إسرائيليٍ رسمي، بينما تكتفي السلطة الفلسطينية بالمشاهدة من بعيد .

السلطة التي كان يفترض بها أن تقف مع ابناء شعبها باتت اليوم غائبة عن المشهد، منشغلة بخلافاتها الداخلية وبحملاتها الإعلامية ضد المقاومة في غزة، حتى بدا وكأنها نسيت أن العدو الحقيقي هو من يحتل الأرض ويمارس الإبادة والتجويع موجه خطابها الإعلامي ضد فصائل المقاومة، في تجاوز لكل حدود المنطق، فبدلاً من الدفاع عن وحدة الدم الفلسطيني في مواجهة العدو، صارت بعض أبواقها يردد روايات الاحتلال وتحمّل المقاومة مسؤولية ما يجري، من حرب إبادة و خروقات لاي جهد يوقف هذه الحرب، في وقتٍ تتصاعد فيه جرائم المستوطنين ضد المزارعين وأراضيهم دون أن تتحرك الأجهزة الأمنية أو القيادة السياسية لحماية الناس .

هذا التقاعس لا يمكن فصله عن طبيعة الدور الذي تحاول السلطة أن تستعيده في المرحلة المقبلة، إذ يبدو أن همّها الأكبر هو تحصيل موقع سياسي أو إداري في غزة بعد الحرب، والترويج لنفسها كجهة مسؤولة عن الإعمار وإدارة الأموال، في حين يدرك الفلسطينيون حجم الفساد الذي ينخر مؤسساتها، ويعرفون جيدًا كيف تحولت قضايا الفساد إلى ظاهرة عامة في أروقتها، من تجاوزات ونهب للمال العام واحتكار الموارد، ما جعلها تفقد ما تبقى من ثقة الناس بها.

في مقابل هذا الغياب الرسمي والتواطؤ الميداني، يبقى الفلاح وحده في الميدان، يواجه بيديه العاريتين عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال، يحمل معوله وكيس الزيتون وكرامته، يدافع عن أرضه وعن الشجرة التي صارت رمزًا لهويته وصموده، فشجرة الزيتون ليست مجرد مصدر رزق للفلسطيني، بل هي مرآة لوجوده على هذه الأرض، كل غصنٍ منها يحكي حكاية بيتٍ هُدم وأرضٍ سُرقت وأمٍ انتظرت ابنها الشهيد أو الأسير. وحين يحرق المستوطنون الزيتون فإنهم لا يهاجمون الشجر فحسب، بل يحاولون محو ذاكرة الأرض التي تشهد على وجود الفلسطيني منذ آلاف السنين .

في النهاية، وبينما تنهمك السلطة في حسابات الإعمار والمال والفساد والمناصب، يواصل الاحتلال ومستوطنيه سياسات التطهير العرقي البطيء في الضفة الغربية، يثبت الفلسطيني مرة أخرى أنه باقٍ رغم كل شيء، وأن زيتونه سيظل أخضر رغم النار والرماد، فهذه الأرض التي رويت بالدم لن تفرّط بشجرها ولا بأصحابها، وستقف سدا في وجه اي مشروع استيطاني يستهدفها، بل يتجذر الإنسان الفلسطيني بالأرض و يمتد عميقًا في تراب فلسطين، تمامًا كما يمتد إيمانه بحقه في الحياة والحرية والكرامة.

إغلاق