الاحتلال يستولي على الأراضي الزراعية لقطاع غزة

رام الله – الشاهد| سلط تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، الضوء على سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الزراعية التي تقع إلى الشرق والشمال من قطاع غزة، والتي تشكل السلة الغذائية للقطاع.
فمنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، تواجه الزراعة في القطاع الساحلي واحدة من أسوأ أزماتها على الإطلاق، حيث لم تدخل أي معدات زراعية أو بذور إلى القطاع، وأصبحت الأراضي الزراعية مدمرة بالكامل بسبب القيود الإسرائيلية المستمرة وعمليات القصف والهجمات العسكرية.
ويعيش المزارع الفلسطيني نعيم أبو عمرة في دير البلح هذه المأساة عن قرب. قبل الحرب، كان يدير مساحة 11 دونمًا من الأرض شرق أبو هولي، يزرع فيها الطماطم والخيار والفلفل والكوسة، إلى جانب دورات موسمية للباذنجان والخضروات الورقية للحفاظ على صحة التربة.
وقد كانت منتجاته تُباع في الأسواق المحلية، ما يعزز دخل عائلته المكونة من ثمانية أفراد ويوفر العمل الموسمي لعدد من العمال في أوقات الذروة.
لكن بعد بدء الحرب الإسرائيلية الشاملة، دُمّرت دفيئاته الزراعية، وتمزقت أنابيب الري، وامتلأت البئر بالرمال والحطام.
قال أبو عمرة لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني: “قامت الجرافات العسكرية بتسوية الأرض حتى أصبحت عارية من التراب، حتى الهياكل البلاستيكية والمعدنية ذابت تحت وطأة القصف. لم تسلب الحرب محاصيلنا فحسب، بل سلبتنا مستقبلنا أيضًا”.
تدمير شامل
تظهر التقديرات أن أكثر من 95% من الأراضي الزراعية في غزة أصبحت غير قابلة للوصول للمزارعين، وفقًا لتقييم مشترك أجرته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات) في يوليو/تموز.
كما أظهرت البيانات أن 80% من الأراضي تضررت بشكل مباشر حتى مايو/أيار الماضي، بينما أصبح 77.8% منها غير قابلة للوصول. وتضرر 71.2% من البيوت البلاستيكية و82.8% من آبار المياه. وحذرت الفاو من أن هذا الدمار يهدد “انهيار النظام الغذائي وشرايين الحياة في غزة”.
وقبل الحرب، شكلت الزراعة نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، وأمنت سبل العيش لنحو 560 ألف شخص. أما الآن، فتقلصت مساهمتها إلى أقل من 2%، بحسب بهاء زقوت، مدير العلاقات الخارجية في جمعية التنمية الزراعية الفلسطينية.
وأوضح زقوت أن “القطاع دُمّر تقريبًا، وكان التدمير متعمّدًا ومخططًا بعناية”.
ومنذ فرض الحصار الإسرائيلي على غزة عام 2007، تم تصنيف البذور ومعدات الزراعة والمواد الغذائية على أنها “استخدام مزدوج”، ومنع إدخالها إلى القطاع.
وقد استمرت القيود منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما حال دون دخول بذور الطماطم أو أي مدخلات زراعية أساسية.
قالت مريم الجعجع، المديرة العامة للجمعية العربية لحماية الطبيعة: “لم يُسمح حتى ببذرة طماطم واحدة بالدخول. تُستغل البذور كسلاح لأنها مصدر حياة”.
محاولات إعادة تأهيل
وسط هذه القيود، عملت منظمات محلية مثل الجمعية العربية لحماية الطبيعة مع أكثر من 700 مزارع لإحياء نحو 1300 دونم، مستخدمة بذورًا محلية وموارد محدودة جدًا.
وقد ارتفعت تكلفة زراعة الأرض بشكل حاد، حيث كانت تكلفة الزراعة قبل الحرب نحو 5000 دولار، أما الآن فتبلغ حوالي 25 ألف دولار.
وأضاف زقوت أن إعادة تأهيل القطاع الزراعي ستحتاج إلى استثمارات ضخمة، وتقدّر بحوالي 8.4 مليار دولار وفق البنك الدولي، بالإضافة إلى إزالة الحطام الذي يغطي الأراضي، والذي يحتوي على مواد سامة مثل الأسبستوس وذخائر غير منفجرة، وتأهيل آبار المياه الزراعية والتربة للتأكد من صلاحيتها للزراعة.
وأوضح أن إزالة الحطام وحده لن تكون ممكنة دون دخول المعدات الثقيلة، التي لا تزال إسرائيل تمنعها، رغم السماح باستخدامها لانتشال جثث الأسرى الإسرائيليين.
وقد أثرت القيود الإسرائيلية كذلك على الصادرات الزراعية، وأجبرت المزارعين على إعادة توجيه محاصيلهم نحو منتجات مسموح بها، مثل الفراولة والزهور.
كما فقدت غزة حوالي 30% من الأراضي الصالحة للزراعة لصالح “المنطقة العازلة” على طول السياج الحدودي، ومنع الصيادون الفلسطينيون من الصيد بحرية، ما زاد من هشاشة النظام الغذائي المحلي.
تقول الجعجع: “أي تعافي كبير للزراعة في غزة يعتمد على قدرة الفلسطينيين على السيطرة على كل جانب من الإنتاج. هذا ما حرمتهم منه إسرائيل منذ فترة طويلة، واستخدمته كسلاح”. وأضافت: “لا يمكن التوصل إلى حل مستدام دون تحقيق العدالة”.
اليوم، يبقى القطاع الزراعي في غزة شبه مُدمّر، والمزارعون يعانون من تدمير أراضيهم، وغياب البذور والمعدات، والتكاليف الباهظة لإعادة الإعمار، وسط قيود إسرائيلية مستمرة تهدف إلى إحباط أي محاولة لاستعادة الإنتاج الغذائي، في حين يظل الأمل معلقًا في قدرة الفلسطينيين على إعادة الحياة إلى أراضيهم التي كانت مصدر رزقهم وكرامتهم.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=96269





