عند السلطة الفلسطينية.. هل الدم الفلسطيني بلا ثمن؟
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول إدانة رئاسة السلطة لعملية “راموت” في القدس أمس، والتي أسفرت عن مقتل 6 مستوطنين وإصابة 14 آخرين بجراح، وسط حالة من اللامبالاة تبديها تلك السلطة تجاه حرب الإبادة التي تشن ضد شعبها في قطاع غزة على مدار عامين، وفي ما يلي نص المقال كاملاً.
في غزة لم يعد هناك متسع للأرقام ولا للعدّ، خمسة وستون ألف شهيد وربع مليون جريح ليست مجرد إحصاءات بل هي وجوه وأسماء وأحلام دفنت تحت الركام، هي صرخات أمهات ثكالى، هي جراح مفتوحة تنزف في جسد أمة صامتة، فيما الطائرات الإسرائيلية لا تترك حجراً ولا بشراً إلا وتحيله إلى رماد، في قلب هذه المأساة اختار شابان فلسطينيان أن يحملوا السلاح منفردين في القدس، فأطلقوا رصاصاتهم ليعلنوا أن الدم الفلسطيني ليس مباحاً بلا ثمن، وأن غزة ليست وحيدة حتى لو تُركت لتُباد .
العملية التي هزّت قلب الكيان لم تكن مجرد رد فعل عابر، بل كانت صرخة حياة من بين الركام، كانت وعداً بأن المقاومة لا تُقتل وأن الروح الفلسطينية قادرة على الانبعاث من تحت الرماد، وإن غزة وإن كانت محاصرة ومحترقة، فإنها حاضرة في كل شبر من فلسطين، وإن القدس لا يمكن أن تنفصل عن دماء الشهداء في القطاع .
لكن وسط هذا المشهد المليء بالبطولة والفداء، خرجت السلطة الفلسطينية لتدين العملية، وكأنها لا ترى المجازر في غزة، وكأنها لا تسمع أنين الجرحى، وكأنها ليست شاهدة على أكبر عملية تهجير وإبادة في العصر الحديث. إدانة السلطة لم تكن مجرد تصريح سياسي بل كانت خيانة أخرى، تُضاف إلى سنوات من التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين، خيانة تعني أنها اختارت أن تكون درعاً يحمي الاحتلال من غضب الضفة، بينما يواصل الكيان مجازره في غزة بلا أي ضغط ولا جبهة ثانية تربكه .
أي جرح أبشع من أن يُطعن شعب في ظهره وهو ينزف؟ أي خزي أعظم من أن تقف سلطة تحمل اسم فلسطين ضد رصاص فلسطيني خرج ليقول إن غزة ليست وحدها؟ هذه ليست سياسة ولا حسابات دولة، هذا سقوط أخلاقي ووطني، سقوط يجعل السلطة شريكاً في الجريمة بصمتها وتواطؤها وخوفها من أن تشتعل الضفة وتكسر قيودها .
في غزة كل بيت يودع شهيداً أو جريحاً، وفي الضفة كل روح حرة تُكبل كي يبقى الاحتلال مطمئناً وهو يواصل حرب الإبادة، وفي القدس شابان يكتبان بالرصاص أن الشعب الفلسطيني لم يمت ولن يموت، بينما السلطة تختار أن تكون في صف العدو، هذه هي المأساة الحقيقية، أن غزة لا تُواجه الاحتلال وحده فقط، بل تواجه أيضاً خيانة الداخل وصمت الخارج .
لكن الحقيقة الأعمق أن الرصاص الذي دوى في القدس كان أقوى من كل بيانات الإدانة، وأن دماء الشهداء في غزة ستبقى تلاحق الاحتلال ومن يسانده، وأن فلسطين لم تنكسر رغم كثافة الجراح، فالمقاومة ليست خياراً سياسياً بل قدر أمة وواجب حياة، ومن يظن أن التنسيق الأمني سيوقفها أو أن الإدانة ستخمدها فهو لا يفهم أن تحت الركام يولد آلاف الشهداء الأحياء الذين ينتظرون دورهم ليكملوا الطريق .
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=93744