أملاك منظمة التحرير في لبنان.. الكنز الذي يتبخر بصمت!

أملاك منظمة التحرير في لبنان.. الكنز الذي يتبخر بصمت!

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني محمود كلم مقالاً حول كشف تفاصيل سرقة نجل رئيس السلطة محمود عباس وشخصيات مقربة من المقاطعة لأملاك وأموال منظمة التحرير في بيروت، وذلك بعد بيع ممتلكات المنظمة بصورة سرية ومريبة وبملايين الدولارات دون معرفة أين ذهبت، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

ليست أملاك منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان مجرد عقارات صامتة من حجر وإسمنت، ولا هي محصورة جغرافياً في بيروت كما يُشاع أو يُختزل الحديث عنها. فهذه الأملاك تمتد على كامل الخريطة اللبنانية، من عكار شمالاً، مروراً بالبقاع في شرق البلاد، وجبل لبنان، وصولاً إلى الجنوب. أراضٍ، شقق، مبانٍ، ومؤسسات تشكّل في مجموعها جزءاً من الذاكرة السياسية والمالية لنضال فلسطيني طويل، كُتب في المنفى، ودُفع ثمنه من أعمار الناس وأحلامهم.

هذه الممتلكات لم تُجمع ترفاً، ولا كانت يوماً استثماراً بالمعنى التجاري البارد، بل جاءت في سياق تاريخي محدد: مرحلة كان فيها لبنان ساحة لعمل منظمة التحرير، ومقراً سياسياً وعسكرياً وإعلامياً لها، وملجأً اضطرارياً لقيادتها وكوادرها ومؤسساتها. يومها، كانت الحاجة تفرض شراء الأراضي واستئجار الشقق وبناء المكاتب لتسيير شؤون تنظيمية وسياسية، ولحماية القرار الوطني المستقل. لكن الزمن تغيّر، والوجوه شاخت، والملفات تُركت في الأدراج.

اليوم، تقف هذه الأملاك على حافة خطر حقيقي؛ خطر لا يأتي فقط من القوانين المعقّدة، أو من واقع اللجوء الفلسطيني الهش في لبنان، بل من الإهمال، ومن غياب التوثيق، ومن ترك كثير من العقارات مسجّلة بأسماء أشخاص باتوا في أعمار متقدمة. رجال ونساء حملوا يوماً أمانة القضية، وسُجّلت الممتلكات بأسمائهم لضرورات المرحلة، من دون أن تُستكمل لاحقاً إجراءات نقل الملكية إلى الإطار المؤسسي الجامع.

في حال وفاة هؤلاء، تدخل الأملاك في مسار قانوني بالغ الخطورة: انتقال إلى الورثة، نزاعات عائلية، بيع اضطراري، أو ضياع تدريجي لا يُحدث ضجيجاً، لكنه يسرق من القضية جزءاً من رصيدها المادي والتاريخي. هنا، لا نتحدث عن خسارة مالية فقط، بل عن تفكك ما تبقى من البنية المؤسساتية لمنظمة طالما ادّعت تمثيل شعب بأكمله.

والمؤلم أن هذا الخطر معروف، ويُشار إليه همساً في الكواليس، لكنه لا يُواجَه بخطوات جدية. فلا توجد حتى الآن عملية شاملة، شفافة، ومنهجية لحصر الأملاك، وجمع الوثائق، وتدقيق السجلات العقارية، ومطابقة الواقع القانوني مع الواقع السياسي. فهذا الملف لا يُحل بقرار فردي، ولا بتكليف إداري شكلي، بل يحتاج إلى فريق عمل متخصص: قانونيين، خبراء عقاريين، مؤرخين إداريين، وأرشيفيين يعملون بصمت ودقة، قبل أن يفرض الزمن كلمته الأخيرة.

في بلد مثل لبنان، حيث العقار ذاكرة ونزاع في آن، وحيث القانون لا يرحم الغافلين، يصبح الإهمال جريمة سياسية. فكيف لمنظمة تطالب بحق العودة أن تُفرّط بحقوق قائمة ومسجّلة؟ وكيف لقضية تقول إنها حية، أن تترك ممتلكاتها تموت بالتقادم؟

هذا الملف ليس تقنياً فقط، بل سياسي بامتياز. إنه اختبار للجدية، وللمسؤولية التاريخية، ولقدرة منظمة التحرير على حماية ما تبقى من إرثها في زمن الانقسام والتراجع. فالأملاك التي تُفقد اليوم بصمت قد تُستعاد غداً فقط في الخطب، لا في الواقع.

وحده العمل العاجل، المنظم، والشجاع، يمكن أن يمنع ضياع هذه الأملاك. أما الانتظار، فهو تواطؤ صامت مع النسيان.

إغلاق