إِصلاحٌ أم انتقامٌ؟ قراءةٌ في تحرُّكاتِ “القيادةِ الفلسطينيّةِ” بلبنان

إِصلاحٌ أم انتقامٌ؟ قراءةٌ في تحرُّكاتِ “القيادةِ الفلسطينيّةِ” بلبنان
رام الله – الشاهد| كتب محمود كلّم: بعد غيابٍ طويل، وترهُّلٍ مزمنٍ ألحق ضرراً بالغاً بقضية فلسطين وشعبها في الداخل والشتات، يبدو أن”القيادة الفلسطينية” بدأت تتحرك لإعادة الروح إلى الجسد المؤسَّساتي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتأتي هذه التحركات كمحاولةٍ لمراجعةٍ شاملةٍ لمكامن الإخفاق والتشتّت، وللتصدي لظواهر شخصنة المناصب والمراكز داخل مؤسسات المنظمة في لبنان، بعد سنواتٍ من السُّبات السياسي والدبلوماسي، الذي جعل القضية الفلسطينية تصل إلى ما يشبه “عنق الزجاجة”.
في هذا السياق، يبرز تساؤلٌ مشروع:
هل أدركت السلطة فسادها الإداري والسياسي متأخّرةً، أم أن ما تقوم به مجرد إجراءاتٍ كيديةٍ وآنيةٍ تهدف إلى الانتقام من قياداتٍ تمرّدت على قراراتها الصادرة من رام الله؟.
تترافق هذه التساؤلات مع مؤشراتٍ جديدةٍ تدل على وجود توجّهٍ فعليٍّ نحو الإصلاح، عنوانه الأبرز إشراك الكفاءات العلمية والأكاديمية المتخصصة في مواقع اتخاذ القرار، وتعزيز الحضور الفلسطيني المؤسَّسي في المحافل الدولية، بما يليق بقضيةٍ عادلةٍ مثل القضية الفلسطينية.
من هنا، بدأت تطفو على السطح أسماءٌ وطاقاتٌ فلسطينيةٌ أكاديميةٌ وعلمية، تسعى إلى ملء الفراغ الذي يُخيِّم على الساحة الفلسطينية، لا سيما في لبنان، وعلى مختلف الصعد السياسية والحقوقية والدبلوماسية.
في ضوء هذا الزخم الجديد، يُطرح المثل الشعبي:
“أعطِ الخبز لخبّازه ولو أكل نصفه”، فهل آن الأوان، بعد سنين من العبث السياسي والإداري، أن نمنح الكفاءات موقعها الطبيعي في القرار والتمثيل؟ وهل نحن على أعتابِ مرحلةٍ جديدةٍ عنوانُها الكفاءة، لا الولاء الأعمى؟ وهل تستعيد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان دورها التاريخي، بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لا بالشعار، بل بالفعل والتمثيل الفاعل؟.
إنّ ما ستُقدِم عليه “القيادة الفلسطينية” في المرحلة المقبلة، سيُحدِّد مصير قضيةٍ لم تَعُد تحتمل التهميش أو الارتجال، وقادرةٍ، إذا ما أُديرت بكفاءةٍ وشفافية، على أن تعود إلى موقعها الحقيقي في الوجدان العربي والدولي.
لكن، ورغم هذا الحراك الظاهري، يبقى الشكُّ حاضراً، بل طاغياً…
فالتجاربُ المريرةُ التي عاشها شعبُنا، والخذلانُ المتكرّر من قياداته، يجعل من الصعب تصديق أن ما يجري اليوم هو صحوةُ ضميرٍ حقيقية، لا مجرد محاولةٍ جديدةٍ لإعادةِ تدويرِ الأزمة، وتجميلِ وجهِ السلطةِ بمكياج “الإصلاح”، دون مسٍّ جوهريٍّ بالخلل العميق.
بل أكثر من ذلك، يُطرَح اليوم تساؤلٌ مرير:
أيهما الصواب؟، هل نطالب بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان؟، أم نستجيب لدعواتِ سحبِ السلاح من المخيمات، بكل أنواعه، في ظل غياب أيِّ ضمانةٍ لحمايتهم؟، وهل نسيت “القيادة الفلسطينية” مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، التي ارتكبها شارون، شريكُهم في “صنع السلام” في أوسلو؟، تلك التي ارتُكبت بحق شعبِنا الأعزل، تحت مرأى ومسمع العالم، في لحظةِ تخلٍّ وصمتٍ مريب.
أليس من واجب من يتحدث باسم الشعب أن يتذكّر، لا أن يتنصّل؟ أن يحمي، لا أن يُعرّي؟، لقد تعب الفلسطينيون من الانتظار، ومن الخطابات المُنمّقة، ومن الإشارات الخادعة إلى التغيير.
وحتى تُثبِت القيادةُ أن هذه التحركات ليست فصلاً جديداً من فصول الاستهلاك السياسي، فإن الألم سيبقى عالقاً، والخذلانُ مستمرّاً، واليقينُ مفقوداً.
فهل يُعقَل، بعد كلِّ هذه السنين، أن نُصدِّق أن من خذل شعبه مراراً… قد تغيّر حقاً؟.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=90904