بعد تغييب التشريعي.. السلطة تُشَكِل القوانين وفق الأهواء والمصالح

بعد تغييب التشريعي.. السلطة تُشَكِل القوانين وفق الأهواء والمصالح

رام الله – الشاهد| بعد أن قام رئيس السلطة محمود عباس بحل المجلس التشريعي، ثم تعطيله أجراء الانتخابات الشاملة، تواصل السلطة التنفيذية الممثلة في رئاسة السلطة والحكومة نهج التغول على السلطة التشريعية وسن تشريعات وقوانين على المقاس، ووفق ما تقتضيه المصالح الشخصية والضيقة لقادة السلطة.

 

وآخر تلك الخطوات التي تهدف للهيمنة، هو تشكيل حكومة عضو الجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية لجنة لتعديل قانون الهيئات المحلية والمجالس البلدية، وهو أمر يقع في صممي اخصت المجلس التشريعي ولا يحق للرئاسة او الحكومة أن تتدخل فيه.

 

ووصف المركز الفلسطيني لاستقلال المحامين والقضاء "مساواة"، هذ القرار بأنه تزاوج تبعي للسلطة القضائية مع السلطة التنفيذية دون اعتبار للقانون الأساسي ومبادئ الدولة القانونية المُجمع عليها دولياً، حيث يتم تريم هذه القضايا في غياب المجلس التشريع صاحب الحق الحصري في التشريع والرقابة.

 

وقال إنه في دولة القانون التي تحتكم لبديهيات الفصل بين السلطات، يُحظر على القضاء التدخّل في التشريعات التي يناط أمرها إلى السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية في حال الأخذ بالنظام الشمولي بديلاً عن النظام الدستوري.

 

وشدد على أنه في كلا النظامين يُحظر على السلطة القضائية التدخل في العملية التشريعية، باستثناء وحيد نصّ عليه القانون الأساسي الفلسطيني بأخذ رأي السلطة القضائية غير الملزم فيما يتعلق بالتشريعات القضائية فقط.

 

وقال إنه من المستغرب جدا أن يتم انتهاك هذا المبدأ ويجري تسويق هذا الانتهاك في الإعلام وكأنه إنجاز، وذلك من خلال الإعلان عن اجتماع عُقد بين رئيس مجلس القضاء الأعلى المعيّن بموجب القرارات بقانون المعدلة للتشريعات القضائية.

 

وأكد أن هذه القرارات تلقى معارضة مجتمعية وقانونية واسعة لانفراد السلطة التنفيذية في التعيين والهيمنة على أداء القضاء، عبر تكليف وزير العدل ووزير الحكم المحلي بالعمل المشترك باتجاه اقتراح تعديل قانون الهيئات المحلية والمجالس البلدية.

 

فرعون القوانين

ويسعى رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس، للاستئثار بصلاحيات واسعة عبر الاستمرار في إصدار مراسيم بقوانين، تهدف إلى تأمين نفسه في السلطة وكذلك حزبه (حركة فتح)، ناهيك عن تحصين نفسه من أي ملاحقة قانونية في ملفات الفساد وانتهاك السلطة.

التغول الذي بدأه عباس منذ عام 2007، وبرصيد 310 قرارات حتى الأول من مارس الماضي، والتي كان آخرها قرارات بقانون بشأن الانتخابات وحالة الطوارئ بسبب تفشي وباء كورونا، على الرغم من أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أن إصدار تلك المراسيم يتم للضرورة القصوى التي لا تنتظر التأجيل، وأن تعرض بعد ذلك على المجلس التشريعي.

 

ولم تفلح كل الاحتجاجات الشعبية أو الحزبية أو النقابية من وقف ذلك التغول، إذ يضرب عباس بعرض الحائط كل صوت يدعوه لوقف ذلك التغول، الأمر الذي جر جملةً من الاعتصامات لنقابة المحامين الفلسطينيين خلال الأشهر الأخيرة، وذلك عندما وصلت القرارات بقوانين لتمس بهيبة القضاء.

 

المس بهيبة القضاء

عباس كان قد أصدر في 11 يناير الماضي، ثلاثة قرارات لها قوة القانون تضمنت تشكيل محاكم نظامية جديدة، وإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وتعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002، كما وأصدر قراراً بترقية عددٍ من القضاة، وإحالة 6 قضاة إلى التقاعد المبكر.

 

ومع بداية يناير الماضي، بدأت نقابة المحامين احتجاجاتها والتي استمرت حتى منتصف أبريل الجاري، ضد القرارات الثلاثة السابقة، وفي ظل الضغط والتعطيل الذي أصاب المحاكم، اضطر عباس للتراجع خطوة للخلف بهدف إحباط تلك الخطوات الاحتجاجية.

خطوة عباس حملت انتهاكاً جديداً للقانون عبر إصدار مرسوم رئاسي جديد منتصف أبريل الماضي، يقضي بتشكيل لجنة تحقيق لدراسة القرارات بقانون المعدلة للتشريعات القضائية خلال مدة 30 يوماً.

 

تغول على الدستور

مدير مؤسسة الحق الحقوقي شعوان جبارين أوضح أن القانون الأساسي الفلسطيني يجيز للرئيس في فترة عدم انعقاد المجلس التشريعي، وفي حالات استثنائية جداً أن يصدر قراراً بقوة القانون، على أن يخضع القرار لمراجعة المجلس في أول جلسة يعقدها.

 

وأضاف جبارين أن المعضلة مع استمرار تعطيل عمل المجلس التشريعي لأن يصبح الرئيس عباس مشرعاً، عبر إصداره أكثر من 310 قرارات بقانون، وهو ما ضرب المؤسسة والأسس الدستورية.

وحذر جبارين من أن القرارات بقانون الأخيرة والتي تمس هيبة القضاء تعني أن القاضي أصبح موظفاً لدى السلطة التنفيذية بدل أن يكون مستقلاً ليأخذ قراراته بالعدل وبعيداً عن أي ضغوط.

 

تأمين عباس لنفسه وحزبه

عباس ببحر القرارات بقانون التي أصدرها يعمل على تأمين نفسه وحزبه في مفاصل السلطة، إذ أن كل مؤسسة من مؤسسات السلطة هي بيد الرئيس عباس، فعطل المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة بقرار بقانون، وأصبح هو المشرع، فيما جاءت أصعب الانتهاكات بتشكيل المحكمة الدستورية العليا عام 2016.

 

وتكمن أهمية المحكمة الدستورية بالنسبة لعباس في أنها السلطة الأرفع في مواجهة السلطات الثلاث التقليدية المعروفة: السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، إذ أنها تمتلك العديد من الصلاحيات الحساسة بالنسبة لعباس.

 

ومن أبرز تلك الصلاحيات هي البت بأي طعون بشأن فقدان الرئيس أهليته القانونية للحكم، والرقابة على دستورية التشريعات التي يصدرها المجلس التشريعي، ما يعني أن تلك المحكمة هي يد الرئيس الباطشة التي سيوظفها لاحقاً في ملاحقة خصومه السياسيين وإصدار قراراتٍ مثيرة للجدل.

 

كما وأحكم سيطرته على الحكومة عبر تغيير الحكومات ورؤسائها كل عدة أعوام وتعيين شخصيات فتحاوية صرفةً، على الرغم من أن آخر حكومة صادق عليها المجلس التشريعي هي الحكومة العاشرة التي كانت ترأسها حماس التي فازت في آخر انتخابات تشريعية عام 2006.

 

السيطرة تواصلت حتى وصلت القضاء، فأصبح تعيين القضاء وإلغاء محاكم أو استنساخ محاكم جديدة هي بيد الرئيس عباس، فيما أصبح فرض حالة الطوارئ أبسط القرارات التي يصدرها عباس والتي قيدت الحريات العامة بشكل كبيراً تحت ذريعة مواجهة تفشي وباء كورونا.

 

إغلاق