تهديد المواطن ورأيه.. ماركة مسجلة للسلطة باضطهاد الفلسطينيين

تهديد المواطن ورأيه.. ماركة مسجلة للسلطة باضطهاد الفلسطينيين

نابلس- الشاهد| لم يدر بخلد الشاب محمد إبراهيم من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة أن منشورًا كتبه عبر حسابه في موقع “فيسبوك” يثني فيه على المقاومة في مخيم جنين سيزج به في سجون السلطة الفلسطينية -سيئة الصيت والسمعة-.

إذ لم يمر سوى أقل من ساعة حتى هاجمت قوة من جهاز المخابرات العامة منزله بشكل همجي لتقتاده لمركز تحقيق قريب لدفعه بالقوة على تغيير رأيه وتقديم اعتذار مكتوب للسلطة وأجهزتها الأمنية على ما “اقترفه” بحقهم.

إبراهيم الذي بدا عليه علامات التعذيب يقول إنه تعرض لضرب شديد وكيل إهانات لا يتوقف خلال ساعات احتجازه على خلفية نشره تغريدة تدعم المقاومة في جنين وحملي على استبداله بمنشور آخر يثني على السلطة وأجهزتها الأمنية ومهاجمة من وصفوهم بـ”التفكيريين من أذناب إيران”.

ويروي تلك اللحظات التي يصفها بـ”القاسية”: طلبوا مني نشر تغريدة تحية إجلال وإكبار للأجهزة الأمنية، وترحم على شهدائها حماة المشروع الوطني وذخر الوطن مع ذمّ المتآمرين والخارجين عن القانون”.

إبراهيم ليس سوى واحد من عشرات ذاقوا من ويل الأسلوب الأمني، إذ الشاب خالد محمد تلقى اتصالا من عمه العقيد بجهاز الأمن الوقائي في مدينة جنين يطلب منه حذف منشوره الذي يرفض فيه هجومها على المخيم.

ويتحدث محمد الذي اضطر لحذف المنشور خشيه اعتقاله وتعذيبه: “اتصل بي عمي عند العاشرة ليلًا يطلب مني حذف منشوري فورا.. وقال لي إنه منع أن يحدث لي مكروه وقع مع كثيرين لكنه حذرني من إمكانية تكرارها”.

ويشير إلى أن محاولة أجهزة أمن السلطة كتم حرية الرأي والتعبير في الضفة الغربية ومنع الحديث عن ممارساتها لن تدوم وسرعان ما ينكسر هذا القيد.

قبضة أمنية

وارتفعت وتيرة استخدام القبضة الأمنية ضد حرية التعبير عن الرأي في الضفة الغربية على نحو غير مسبوق، مع اشتداد حملة أمن أجهزة السلطة الفلسطينية على مخيم جنين منذ 5 ديسمبر الماضي لوأد المقاومة.

ولم يتوقف التهديد والوعيد على أهالي الضفة الغربية بل طال مقيمين في الخارج انتقدوا سلوك أجهزة أمن السلطة وقمعها للحريات بالنيل من ذويهم وإلحاق الأذى بأقاربهم في حال لم يسكتوا عن ذلك.

رافق ذلك حملة تحريض ممنهجة تترأسها جهات رسمية وأمنية ومقربة منها ضد من يؤيد -قولا أو فعلا- المقاومة لتكميم الأفواه وتضييق الحريات وتعزيز القبضة الأمنية على الفلسطينيين عبر سلوك قمعي.

وأثارت مقاطع فيديو مصورة انتهاكات من أفراد من أجهزة الأمن لمواطنين وإظهارهم بوضع غير إنساني، سواء وهم يتعرضون للتعذيب أو يعتذرون عن آرائهم، حفيظة المؤسسات الحقوقية.

ولا يحتاج من يغير رأيه المعارض للسلطة الفلسطينية أو أجهزتها الأمنية لاتصال أو تهديد مباشر بالضرب أو الاعتقال، ويكفي أن يرى بعينه ما يلاقيه غيره ليعرف مصيره، خاصة بظل حملات تتبع لمنشورات المواطنين بجهات تابعة لقوى الأمن وبتسميات مختلفة، خصصت لرصد المواقف المعارضة.

انتهاك صارخ

الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) تقول إن ممارسات الأجهزة الأمنية وإجبار المواطنين على الاعتذار عن آرائهم المناهضة لها، وإظهار تأييدهم لسياسات السلطة الفلسطينية أمر عال الخطورة.

وتعتقد الهيئة أن هذه الممارسات انتهاك واضح للقانون وحقوق الإنسان، مطالبة وزارة الداخلية بفتح تحقيق جاد وشفاف بشأنها، ومحاسبة المتورطين قانونيا.

نقابة المحامين الفلسطينيين وصفت تعرض مواطنين للضرب على يد أجهزة الأمن تعديا على أحكام القانون، داعية من سمتها بـ”الجهات الخاصة” للتحقيق الفوري بتلك الاعتداءات.

ورافق الحملة الأمنية بجنين قرارات إدارية لمحافظين بالضفة الغربية حظروا فيها تناقل أي أفعال أو أقوال عبر مواقع التواصل وما شابهها من المنابر “تثير الفتن وتخل بالأمن العام”، ووقف أشكال التحريض ضد السلطة وأجهزتها المدنية والأمنية.

سلوك أمني

رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين الدولية إحسان عادل يعتقد أن السلطة الفلسطينية تصعد في الاتجاه الخاطئ وتنتهك بوضوح القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات الدولية، ما “يهدد السلم الأهلي”.

ويوضح عادل في تصريح أن ممارسات السلطة الفلسطينية كقرارات المحافظين أو وقف عمل قناة الجزيرة، وفرض بعض الوزارات على موظفيها المشاركة بوقفات داعمة لموقفها، أو إجبار موقوفين على الاعتذار عن آرائهم وتعذيب بعضهم يعد انتهاكا لحق الفلسطيني في حرية الرأي والتعبير.

ويبين أن عديد الصيغ الواردة في تلك القرارات تحمل تهديدا غير مشروع للمواطنين لتعبيرهم عن آرائهم، وهي مشوبة بعدم الدستورية نظرا لصدورها عن جهات غير مختصة”.

ويلفت إلى أن توجيه النقد لأداء السلطة لا يشكل فقط حقا للمواطن الفلسطيني، بل ضرورة لبناء مجتمع ديمقراطي ولتطوير أداء السلطة نفسها.

ويؤكد عادل أن القرارات الأخيرة وما رافقها من أجواء تهديد وتخوين تعم الانقسام الداخلي وتهدد السلم الأهلي، بوقت يحتاج فيه الفلسطينيون للحوار الوطني المسؤول والتزام مؤسسات الدولة بسيادة القانون وحيادها كجهات تمثلهم كلهم.

إغلاق