البيت الذي بُني لفلسطين… ولم يعد لها!

رام الله – الشاهد| كتب محمود كلم: عقارات بلا أسماء… ووطن ضائع في دفاتر المال.
أكثر من ألفي عقار معروفة، موثّقة بالأرقام والعناوين والخرائط.
وأضعافها مجهولة، لم يُعثر عليها بعد، أو طُمست عمداً، أو ضاعت في دهاليز الصراع على المال، حيث يتحوّل رأس المال إلى سلاح، وتُدفن الحقيقة تحت ركام الحسابات.
في صراع المال على رأس المال، لا تضيع الأموال فقط، بل يضيع الوطن مرّةً أخرى.
تتآكل الذاكرة كما تتآكل الحقوق، وتتحوّل العقارات من شواهد على النضال إلى أرقام باردة في ميزانيات لا يعرفها أحد، ولا يُحاسَب عليها أحد.
هذه العقارات لم تكن حجارةً صامتة، ولا مجرد استثمارات.
كانت بيوتاً لفكرة، وعناوين لمرحلة، وأحياناً كانت الملجأ الأخير لقضية بلا دولة.
أكثر من 2000 عقار…
لكن السؤال الأشد قسوة: كم منها ما زال فلسطينياً؟ وكم منها تحوّل من رمز وطني إلى غنيمة؟.
في هذا المشهد القاتم، يبرز مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لا كمبنى إداري، بل كرمز.
هو أول بيت بُني لفلسطين خارج الجغرافيا، حين لم يكن لفلسطين بيت، ولا سيادة، ولا علم يرفرف فوق أرض معترف بها.
كان المكتب بيتاً سياسياً، وبيتاً معنوياً، وبيتاً لكل فلسطيني مشرّد يبحث عن عنوان يقول له: هنا نحن.
ذلك المكتب لم يكن مجرد جدران، بل كان إعلان وجود.
كان فلسطين حين لم تكن فلسطين دولة، وكان الوطن حين كان الوطن فكرة مطاردة.
اليوم حين نتحدث عن العقارات الضائعة، لا نتحدث عن فساد مالي فقط، بل عن تفكك المعنى.
عن انتقال القضية من مشروع تحرر إلى ملف حسابات.
عن تحوّل البيوت التي بُنيت باسم الشعب إلى أملاك بلا أصحاب، أو أسرار بلا كشف.
المال الذي ضاع لم يضع وحده.
ضاع معه السؤال الأخلاقي: لمن كانت هذه العقارات؟ ولماذا بُنيت؟ ومن يملك حق التصرف بها؟.
في غياب الشفافية، تصبح العقارات شاهداً صامتاً على انكسار السياسة.
وفي غياب المحاسبة، يتحوّل الرمز إلى عبء، والتاريخ إلى عبء، وحتى الذاكرة تصبح عبئاً.
إن ضياع هذه العقارات ليس تفصيلاً إدارياً.
هو مرآة لانهيار أكبر: انهيار العلاقة بين المال والقضية، بين القيادة والشعب، بين البيت ومن يسكنه.
وحين يضيع أول بيت بُني لفلسطين في متاهة الصراع على المال،
نفهم أن الخسارة لم تعد خسارة عقار…
بل خسارة معنى، وخسارة وطن يُسرق للمرة التي لا نعرف رقمها.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=98487





