عندما أسقطت سفارة السلطة في القاهرة هويتي الفلسطينية

عندما أسقطت سفارة السلطة في القاهرة هويتي الفلسطينية

كتب الأديب والكاتب الفلسطيني موسى حوامدة

اتصل أحد منظمي أمسية شعرية لي في القاهرة بالسفارة الفلسطينية، يدعوهم لحضور الأمسية باعتباري فلسطيني المولد والهوية، فرد عليه الموظف قائلًا: هذا أردني وليس فلسطينيًا… القصة حدثت منذ ثلاثة أشهر وأكثر، ولم أستطع نسيانها وتحليلها..

وهي تدل على أن السلطة الوطنية الفلسطينية قد ربَّت أجيالًا من “الفلسطينيين” الذين يؤمنون بأن الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الأردنية، في المقام الأول وأي جنسية ثانية، ليس فلسطينيًا، وكأن الفلسطيني ابن السلطة استثناء في نظرهم أما “الخونة” الذي يحملون الجنسية الأردنية مثلي فهم ليسوا في حساب المحرِّرين، الذين حرروا البلاد والعباد أقصد.

وبالفعل لم يسبق لأي مؤسسة فلسطينية تابعة للسلطة الوطنية بما في ذلك اتحاد الكتاب الفلسطينيين أن رشحني لأي نشاط ثقافي، ولست عضوا فيه!!!!! ولن أدخل في التفاصيل، ولم يسبق له أن طلب مني إصدار أي كتاب لي عنه، وحتى اليوم لم يصدر لي في فلسطين أي كتاب، وربما تمت دعوتي “بالغلط” إلى معرض الكتاب عام 2016 ، ولا أريد تقييم تلك الدعوة ونتائجها وما لحقها من “تحميل جميلة” وكأن ثمن هذه الدعوة الخنوع لاتفاقية أوسلو.

نعم أنا أحمل الجنسية الأردنية وهي ليست عارًا، وهناك بعض ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية ويؤمنون بحق اسرائيل في الوجود، ولا يقبلون التخلي عنها، وروجت لهم السلطة وأجهزتها وكثير من المثقفين المستفيدين منها باعتبارهم فلسطينيين. لا أتحدث عن حق الفلسطينيين حتى الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بهويتهم الفلسطينية، فهي مفروضة عليهم، ولم تكن خيارا لهم، لكني أتحدث عن الطريقة الانتقائية للسلطة.

وحتى لو لم أكن مولودًا في فلسطين، ولا أبي وجدي وأجدادي كلهم مدفونين فيها، وكنت أعيش في الأردن منذ مئات السنين (يعني أردني وشرق أردني أبًا عن جد) وانتمى إلى فلسطين كقضية عادلة، و هوية نضالية، فهل من حق أي موظف أو دعي، أو مسؤول مشلول ومخصي أن يترفع باعتباري أحمل جنسية لا تروق له.

كنت أسمع من بعض الذين عملوا في الثورة الفلسطينية أنهم حرموا من رواتبهم لأسباب إقليمية ولم أكن أصدق، فهل معقول أن بقايا الثورة تحمل مثل هذه العقليات المتخلفة، الصراحة؟ ممكن، صحيح أنها ليست سياسة عامة في الثورة ولا السلطة، ولكن غض النظر عن تصرف مثل هؤلاء المسؤولين الثوريين فيها، سواء بقصد أو بغير قصد، سبَّبَ حرمان البعض من حقوقهم عدا عن آثار ذلك الحرمان نفسيًا عليهم.

هل يعتقد البعض أن الذين يحملون الجنسية الأردنية تخلوا عن فلسطين، أو باعوها، هل نسي البعض عدد الشهداء الأردنيين والعرب الذين استشهدوا في فلسطين، أنا لا أتحدث عن الأنظمة فلست منتميًا لأي نظام ولا أدافع عن أي نظام عربي، لكني أتحدث عن شعب عربي يعيش فوق هذه الرقعة من الأرض، ويشعر بجرح غائر في كرامته، نتيجة لاحتلال فلسطين. ولديه استعداد نفسي عميق للموت في سبيل تحرير القدس.

شكرًا للسلطة الوطنية الفلسطينية وبعض موظفيها الذين يساعدون اسرائيل في تحطيم وتفتيت الهوية الفلسطينية والتي نجح الشعب الفلسطيني في بلورتها والتمسك بها.

اما هويتي الفلسطينية، فلا ينتزعها مني كيان مصطنع أو موظف متخلف أو انتهازي أو ع م ي ل مستتر.

نعم أحمل الجنسية الأردنية، منذ حملها أبي منذ الوحدة بين الضفتين، وشاءت الظروف أن أعيش في الأردن، ورغم الصعوبات التي مرت معي مثلي مثل أي مثقف حقيقي في البلد، لكنها لم تضطهدني ولم تحتقرني في يوم من الأيام، رغم أني بقيت معارضُا ناقدًا ولم أنصع لما طلب ويطلب من غيري ولكن أميز بين الأجهزة والانظمة وبين الناس والتراب، فنعم أحمل الجنسية الأردنية، وغيري من الفلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعملون في مؤسسات اسرائيلية، ولم يجرؤ أحد من موظفي السلطة ليقول عنه هذا ليس فلسطينيًا.

كنت أعتقد أن اسرائيل هي السبب في عدم عودتي للبلاد، ورغم كل محاولات العودة، كان الجواب يأتي دائمًا لك رقم هوية احتلال سابقة موجود في “بيت ايل” وعلى السلطة أن تضيفك إلى قائمة السكان، وعام 2016 تمت دعوة المشاركين في معرض الكتاب في فلسطين لمقابلة الرئيس محمود عباس وقال له المرحوم الطيب عبدالرحيم وهو يقدمني إليه موسى من السموع، فرحب بي أبو مازن، وسألني هل لك طلب؟ قلت لي طلب واحد وهو أن استعيد هويتي، فطلب الاتصال بحسين الشيخ لاستعادة هويتي، وتم تكليف محمود أبو الهيجاء رئيس تحرير الحياة والناطق الاعلامي باسم حركة فتح بمتابعة الأمر وظللت على اتصال معه دون نتيجة.

 

إغلاق