أزمة الخطاب الفتحاوي مع السابع من أُكتوبر

رام الله – الشاهد| كتب إبراهيم المدهون: يعيش الخطاب الفتحاوي اليوم أزمة حقيقية، تتجلّى في اضطراب المفاهيم، والتصادم مع ثوابت وطنية راسخة، ومحاولات جره نحو الشعبوية، بعيدًا عن طبيعته التاريخية كنموذج نخبوّي عقلاني.
فقد تحوّل، في كثير من تجلياته، إلى خطاب حادّ ومتشنّج، لا يحتمل الأصوات المتزنة، ولا يسعى إلى احتوائها أو التحاور معها، بل يعمل على إقصائها وابتلاعها.
وقد ظهر ذلك بوضوح في ردود الفعل العنيفة التي وُجّهت إلى التصريحات الصادرة عن الناطق باسم حركة فتح في غزة، الأخ منذر الحايك، الذي قدّم قراءة عقلانية ومنطقية، تنطلق من انتماء فتحاوي واضح، وتحاول مقاربة الواقع الفلسطيني المركّب بمسؤولية واتزان.
غير أن الحالة الشعبوية، التي تتغذّى على عمل اللجان الإلكترونية الموجّهة، والمدفوعة أحيانًا باعتبارات سياسية وأمنية واضحة، لا تريد لأي صوت وطني عاقل أن يقدّم قراءة خارج القوالب الجاهزة. فهي لا تقبل الاختلاف، ولا تحتمل النقاش، وتتعامل مع أي اجتهاد وطني بوصفه خروجًا عن “الرواية الرسمية”.
فعندما أشاد الأخ منذر الحايك بما جرى في السابع من أُكتوبـر، وأكّد نجاح الفعل الميداني في ذلك اليوم، مع تحميله القيادة السياسية لحركة حماس مسؤولية الإخفاق في وقف الحرب، ثارت ثائرة الإعلام المُوجَّه، وتحركت اللجان الإلكترونية لمهاجمته، والتشكيك في موقعه ودوره، واتهامه بأنه يعبّر عن رأي شخصي لا عن موقف الحركة، بل وصل الأمر إلى التهديد والهجوم اللفظي.
والحقيقة أن ما أزعج هذه المنظومة لم يكن رأي الاخ منذر بحد ذاته، بل تأكيده على حقيقة راسخة في الوجدان الفلسطيني: أهمية السابع من أُكتوبـر، وقيمته الوطنية العميقة، بوصفه تعبيرًا عن فعل نضالي كبير. فهذا التأكيد يربك سردية تسعى إلى طمس هذا الحدث، وحصر التركيز على مشهد العدوان والإبادة وتداعياتها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه حتى لو حصر الأخ منذر جانب الإخفاق في الأداء السياسي لحركة حماس، وانا اخالفه هنا، فإن الواقع يؤكد أن الأداء السياسي للسلطة الفلسطينية كان شبه غائب ومعكوس، وأن الغطاء الإقليمي والدولي كان ضعيفًا أو متخاذلًا، فضلًا عن موقف عربي وإسلامي وقف متفرجًا على واحدة من أقسى مراحل التاريخ الفلسطيني الحديث.
ومع ذلك، لا يستطيع أي فلسطيني حر إلا أن يعتز بما مثّله السابع من أُكتوبـر، بوصفه تعبيرًا صادقًا عن إرادة شعبنا، وحقه في كسر القيد.
والمفارقة أن ما قاله الأخ منذر لا يخرج عن مواقف فتحاوية رسمية سابقة؛ فقد نقل توصيفًا صدر عن السيد محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس الحكومة السابق، الذي وصف ما جرى بأنه من أعظم الأحداث النضالية، لكنه افتقر إلى استثمار سياسي مناسب.
كما ينسجم ذلك مع شهادات متعددة نُقلت عن الرئيس محمود عباس، كان آخرها ما أورده الدكتور هاني المصري، حين أكد أن الرئيس عبّر عن تقديره لما جرى، واعتبره إنجازًا وطنيًا مهمًا، بل واحدًا من أكثر الأيام أهمية في مسيرة الشعب الفلسطيني.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد شهدنا كيف هاجمت اللجان الإلكترونية الموجّهة المنتخب الفلسطيني في قطر، رغم إنجازاته الرياضية، فقط لأن بعض لاعبيه عبّروا عن اعتزازهم برموز السابع من أُكتوبـر، وأنشدوا لهم بفرح وانتماء.
بل طالت الحملة القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب، وحُمِّل مسؤولية ما جرى داخل الفريق، في مشهد غير مسبوق من الانحدار، يعكس استعدادًا لمهاجمة كل من يعبّر عن وجدانه الوطني في مجتمع تربّى على تمجيد الفعل الوطني والاعتزاز به.
كل هذه الوقائع تؤكد وجود محاولة ممنهجة لطمس حقيقة ما جرى في السابع من أُكتوبـر، مقابل تضخيم سردية الإخفاق، من دون مقاربة شاملة تُحمَّل فيها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير مسؤولياتهما السياسية، ومن دون مساءلة جدية للموقفين العربي والإسلامي.
نحن اليوم أمام مرحلة شديدة الحساسية، ومن الخطأ الاستسلام لضجيج السوشيال ميديا والإعلام المُدار، الذي لا يعكس في الغالب حقيقة المزاج الوطني، بقدر ما يعكس عمل لجان منظمة تُدار بعقلية غير وطنية.
ومن هنا، فإننا نأمل من الأخ منذر الحايك، ومن سائر قيادات حركة فتح، التمسك بالرؤية الوطنية العقلانية، والحفاظ على حق الاختلاف السياسي، وعدم الارتهان لحملات التشويش الإلكتروني. فهذه الحملات لا تغيّر حقيقة، ولا تصنع وعيًا، ولا تُغني عن الواقع شيئًا.
المطلوب اليوم هو الاستمرار في بلورة رؤية وطنية جامعة، قادرة على تثبيت مفاهيم راسخة، لا يمكن زعزعتها بضجيج إلكتروني عابر، لا يسمن ولا يغني من جوع.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=98671





