دسترة الإقصاء

رام الله – الشاهد| كتب عمّار جاموس.. للمرة الثالثة هذا العام، وفي أقل من 6 أشهر، يصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قرارًا جديدًا يستبعد بموجبه كل من لا يعلن التزامه بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير، وبالتزاماتها، وبقرارات الشرعية الدولية، من المشاركة في الحياة العامة للشعب الفلسطيني عبر الانتخابات.
تمثّل هذا التوجه مؤخرًا في القرار بقانون رقم (23) لسنة 2025 بشأن انتخابات الهيئات المحلية (المادة 16 تحديدًا)، الصادر بتاريخ 19 نوفمبر 2025، والمنشور في الجريدة الرسمية، وعلى أساسه ستجري انتخابات الهيئات المحلية القادمة بتاريخ 15 أبريل 2026 وفق قرار مجلس الوزراء في 2 ديسمبر 2025.
ويُشار إلى أن هذا القرار حلّ محل قانون انتخابات الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005، الذي أقرّه المجلس التشريعي عقب إعلان القاهرة بين فتح وحماس في مارس 2005.
سبق القرار بقانون الأخير قراران آخران يحملان المضمون الإقصائي ذاته.
الأول قرار تشكيل اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني في 31 يوليو 2025، والذي نصّ بوضوح على التحقق من التزام المرشحين بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير والتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية.
أما القرار الآخر، والأخطر، فهو مرسوم رقم (4) لسنة 2025 بشأن تشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت الصادر في 16 أغسطس 2025، والذي اشترط انسجام الدستور المؤقت مع قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير، بما يعني نقل الإقصاء السياسي إلى مستوى دستوري، وتحويله إلى مبدأ حاكم.
يشمل هذا البرنامج السياسي عمليًا الاعتراف بدولة إسرائيل، واتفاقية أوسلو، والمبادرة العربية للسلام، ونبذ الكفاح المسلح. وهي شروط ظهرت بوضوح عقب انتخابات 2006، وتحولت بعد أحداث الانقسام إلى قرارات حكومية فصلت موظفين من الوظيفة العامة. وقد قضت المحكمة العليا الفلسطينية عام 2012 بإلغاء تلك القرارات لكونها تمثل تمييزًا وانتهاكًا للحقوق وتعسفًا في استعمال السلطة.
إن توقيت هذه القرارات وسياقها يكشفان استثمارًا سياسيًا في حالة الضعف التي لحقت بحركة حماس جراء الحرب على غزة، وانسجامًا مع محاولات دولية لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني بإقصاء كل من لا يعترف بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير، سواء من الفصائل أو المستقلين. وهو توظيف داخلي للقوة الإسرائيلية ضد الخصوم السياسيين، بدل إبقاء البرنامج السياسي موضوعًا لحوار وطني وانتخابات حرة.
أولًا: قانون غير دستوري ومحاولة دسترة الإقصاء
القرار بقانون غير دستوري شكلًا ومضمونًا، إذ يهدر المساواة والتعددية ويميز بين المواطنين على أساس الرأي السياسي، وصدر في غياب حالة الضرورة التي يشترطها القانون الأساسي. ومحاولة نقله إلى الدستور المؤقت تهدف للالتفاف على عدم دستوريته، رغم أن الدستور لا يكتسب شرعيته إلا بالتوافق والرضا الحر، لا عبر لجان محكومة بشروط تصادر الحقوق الطبيعية.
لا يمكن لعقد اجتماعي لشعب تحت الاحتلال أن يدستر حرمان الأفراد والجماعات من حقهم الأصيل في المقاومة بجميع الوسائل التي يكفلها القانون الدولي، بما فيها الكفاح المسلح ضمن ضوابط القانون الدولي الإنساني.
ثانيًا: أداء القسم بدل الإقصاء المسبق
حماية النظام الدستوري لا تكون بالإقصاء المسبق، بل بأداء القسم القانوني. الامتناع عن أداء القسم يمنع تولي المنصب، والحنث به يخضع للمساءلة، شريطة أن يكون الدستور نفسه شرعيًا ويحترم التعددية والحقوق الطبيعية.
ثالثًا: مغالطة الانتخابات الخدماتية
القول بأن الانتخابات المحلية “خدماتية” لا تحتمل شروطًا سياسية مغالطة، لأنه يفتح الباب ضمنًا لقبول الإقصاء في الانتخابات العامة. رفض الإقصاء يجب أن يكون مبدئيًا وجذريًا.
رابعًا: الالتزامات الدولية وأوسلو
يكفل القانون الدولي حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في المقاومة. واتفاقيات أوسلو ذاتها باطلة أو معلقة النفاذ لأنها لم تخدم مصلحة السكان الواقعين تحت الاحتلال. كما أن قرارات الشرعية الدولية التي انتهكت حق تقرير المصير لا تكتسب مشروعية أخلاقية أو قانونية.
إن الحل العادل للقضية الفلسطينية يقوم على المساواة الكاملة وإنهاء نظام الفصل العنصري، وضمان حق العودة، ويرى الكاتب أن الحل الأمثل هو دولة ديمقراطية علمانية واحدة بين النهر والبحر.
خامسًا: ما الحل؟
الحل الأمثل هو سحب القرارات الإقصائية وإطلاق حوار وطني شامل لإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية. وإلى حين ذلك، يمكن للجنة الانتخابات ومحكمة قضايا الانتخابات استبعاد النصوص المخالفة للدستور، استنادًا إلى مبدأ سمو الدستور وحماية الحقوق والحريات، دون الحاجة إلى تدخل المحكمة الدستورية العليا.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=98499





