تهافت فتح والسلطة على إدارة غزة يتناسب والرؤية الصهيونية

تهافت فتح والسلطة على إدارة غزة يتناسب والرؤية الصهيونية

رام الله – الشاهد| كتب عبدالسلام التويتي.. في منافاة تامَّة بما نسمع عن تأسُّس حركة «فتح» -في خمسينات القرن الماضي- على فكرة المقاومة الهادفة إلى تحرير كل شبرٍ من الأراضي الفلسطينية، ظهرت الحركة -بعد إبرامها مع «كيان العدو» عددًا من الاتفاقيات الاستسلامية وآخرها اتفاقية «أوسلو» التي سمحت للحركة بتشكيل ما سمي بـ«السلطة الوطنية» – خاليةً تمامًا من أية قيم وطنية، وانحصرت مهمتها في ما أوكل إليها -في ضوء ما حصل بينها وبين سلطات العدو من تنسيقاتٍ أمنية- في ملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية، وكأنها جزءٌ من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الصهيونية.
وما يمكن اعتباره واحدةً من أغرب الغرائب أنَّ حركة «فتح» العجفاء مُتَشرعِنَةً بـ«سلطة عباس» المتراس -منذ الأيام الأولى لاشتعال معركة «طوفان الأقصى» بأيدي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة «حماس»- تتكالب تكالب العناكب لكشط ما يترسَّب في أواني المآدب على لعب دورٍ -في إدارة «قطاع غزة»- يناسب رؤية المحتل الصهيوني الغاصب، غير مكترثةٍ بما يتطاير -صباح مساء- من أشلاء وما يسفك من دماء الأطفال والنساء.

منذ أن دُحرت حركةُ «فتح» وواجهتُها «السلطة الفلسطينية» من «قطاع غزة» عام 2007 وهي تتوق للعودة إليه بالتنسيق مع السلطات الصهيونية التي حرصت على بقاء الضفة والقطاع تحت إدارتين متناحرتين، وبالرغم من تكتُّم السلطة الفتحاوية على رغبتها الجامحة بالعودة إلى غزة حتى على ظهر آلية صهيونية مصفحة، فإنها تتعجل العودة بصورة غير محمودة، وهذا ما يُفهم من احتواء تقرير الصحفي الفلسطيني «عوض الرجوب» التحليلي المعنون [السلطة مستعدة لإدارة غزة بعد الحرب.. فهل تستطيع؟] الذي نشرته «الجزيرة نت» في الـ15 من ديسمبر على ما يلي: (وعن احتمال قبول السلطة بعروض إعادتها إلى غزة، قال المحلل السياسي عزام أبو العدس: “هي تقبل وتريد وبدأت تؤسس لذلك».
وبدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي «ساري عرابي» أنَّ أهمّ ما يمنع السلطة من التجاوب مع عروض إدارة غزة “ليس انعدام رغبتها، وإنما واقع قطاع غزة والكارثة الإنسانية وما يترتب عليها من واجبات ومسؤوليات ضخمة، وممَّا يمنعها -أيضًا- هو تمتع «حماس» بقوة هائلة”).
ومن المؤلم أنَّ سلطة «أوسلو» -بالإضافة إلى إدانتها «طوفان الأقصى»- قد رأت في مترتبات الطوفان فرصة لكسر شوكة المقاومة وتدجين الشعب الفلسطيني التواق للحرية لهيمنة سلطات الكيان، وقد تجسد هذا المعنى العمالي -في مستهل التقرير الإخباري التحليلي المعنون [ماجد فرج: كيف يخطط “الخيار المفضّل” للاحتلال لإدارة غزة؟] الذي نشره «نون بوست» في الـ14 من مارس الفائت- بما يلي: (فيما كان الاحتلال يحصي عدد جنوده القتلى والمرضى النفسيين والمصابين بإعاقات دائمة، وتعرُّض آلياته الأكثر من 1500 آلية للتدمير الكلّي والجزئي، كانت السلطة الفلسطينية المراقبة -بصمت- لإبادة شعبها في قطاع غزة، ترى في حرب الإبادة فرصة أخرى لإثبات دورها الوظيفي كحارس لأمن الاحتلال.
وقد رأت السلطة الفلسطينية التي أدان عدد من مسؤوليها، على رأسهم رئيسها محمود عباس، عملية “طوفان الأقصى” أنَّ على حماس الانصياع لها والانضمام إلى منظمة التحرير تحت جناح السلطة، وترك المجال لمسؤولي رام الله لإدارة قطاع غزة، وفق العقيدة الأمنية للجنرال الأمريكي «كيث دايتون» التي ترى في المقاومة إرهابًا يجب التخلص منه).
توهُّم سلطات الكيان المخرج في «ماجد فرج»
لعل فشل سلطات الكيان في تحقيق أهداف الحرب العدوانية على غزة إلى الآن قد حدا بها إلى البحث عن مخرج تمثل في استخدام العميل الفلسطيني المؤدلج «ماجد فرج» الذي عوَّلت عليه في إحداث نوعٍ من المزاحمة للمقاومة، فقد نُقل في مستهل الخبر المطول المعنون [إسرائيل تدرس تعيين مدير مخابرات السلطة الفلسطينية حاكمًا لغزة بعد انتهاء الحرب] الذي نشرته «الجزيرة نت» في الـ13 من مارس الفائت عن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية «كان»: (إنَّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اقترح تولي رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج إدارة قطاع غزة مؤقتًا، بعد انتهاء الحرب، وإنَّ إسرائيل تدرس استخدام رئيس المخابرات الفلسطينية لبناء بديل لحكم حركة حماس في اليوم التالي للحرب، وإنَّ زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لبيد قال: “إنه من الطبيعي أن نذكر اسم فرج، فهو في السلطة الفلسطينية من أكثر الشخصيات التي عملت معنا ضد حماس”).
وسبقت الإشارة إلى هذا المعنى -في سياق خبر «قدس برس» التحليلي المعنون [الإذاعة العبرية: الاحتلال يدرس التعاون مع رئيس مخابرات السلطة لإدارة قطاع غزة] الذي نشر في الـ12 من الشهر ذاته- على النحو التالي: (وبحسب ما كشفته الإذاعة العبرية العامة اليوم الثلاثاء فإنَّ من أبرز الأسماء المرشحة لإدارة القطاع رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج المقرب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس).
أما المدعو «ماجد فرج» فلم يستطع كتم استعجاله على ممارسة أقبح أدوار العمالة الذي أشير إليه في سياق تقرير «نون بوست» الذي سبقت الإشارة إليه بما يلي: (وبينما كان يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة قصفًا مدمّرًا مخلفًا أكثر من 100 ألف شهيد وجريح ومفقود، ورصاصًا إسرائيليًّا من جيش الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية، لم يصبر «ماجد فرج» كثيرًا على الحصول على حصته من كعكة التنسيق الأمني، فاجتمع مع رئيس مجلس الأمن الإسرائيلي «تساحي هنغبي» في مصر لبحث كيفية إدارته للحصة).
كان «فرج» ولا يزال محظيَ سلطات الاحتلال
لم يقع الاختيار على العميل «ماجد فرج» للاضطلاع بهذه المهمة العمالية المقرفة بمحض الصدفة، بقدر ما جاء بناءً على ما يثبته -للاحتلال ولكل القوى الداعمة للاحتلال- من مطلق الولاء الذي يمكن التثبُّت منه في احتواء مقال الكاتب الأردني «نضال العضايلة» التحليلي المعنون [رجل المخابرات الفلسطينية بديل حماس في غزة] الذي نشره موقع «بيروت تايمز» في الـ17 من مارس الفائت على ما يلي: (ووفقًا للمعطيات المتعارف عليها، فإنَّ ماجد فرج البالغ من العمر 61 عامًا هو أكبر شخصية أمنية في السلطة الفلسطينية، ويُعد مقربًا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويملك علاقات وطيدة مع كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، ويعتبر عراب التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني).
وبالمجمل فقد تجسد هذا المعنى بصورةٍ أشمل -في سياق التقرير التفصيلي المعنون [ماذا تعرف عن رجل المخابرات “ماجد فرج” الذي اقترحت إسرائيل تعيينه حاكمًا لغزة؟] الذي نشره «صوت بيروت إنترناشونال» بتأريخ 13 مارس الماضي- على النحو التالي: (ويحظى فرج بالقبول الأمريكي والإسرائيلي بالنظر إلى دوره في التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، وتعاونه مع وكالة الاستخبارات الأمريكية في عدد من الملفات، ودعمه خطة الأمريكي مايكل فينزل التي تشيطن الأعمال المقاومِة).
وتأسيسًا على ما أثبته «فرج» من ولاءٍ مبالغٍ فيه للاحتلال وداعميه، فقد صار أهمَّ عميلٍ فلسطينييٍّ يعتمدون عليه، وبحسب تقرير «نون بوست»، (فإنَّ الاحتلال الإسرائيلي يرى في موظفه في السلطة الفلسطينية ورئيس جهاز المخابرات منذ أكثر من 15 عامًا الجهة الثقة لتولي إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وفق توصية وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت).
ومن المفيد التأكيد أنَّ وسيلة «فرج» لإثبات مطلق الولاء للأعداء الذي جعله موضع ثقتهم كانت -ولا تزال- أساليبه التعاملية القذرة مع عناصر المقاومة الذين تستهدفهم أجهزته الأمنية -ما وسعها المجال- بالاعتقال وممارسةً في حقِّ النساء والرجال من أساليب التعذيب ما لا يسمح بإيراده في الحيٌّز المتاح للمقال.
تشكيله -في «غزة»- قوةً أمنية برؤية صهيونية
بالرغم من رفض «نتنياهو» الخطة التي أعدت تشاركًا بين الأجهزة الأمنية الصهيونية والأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية القاضية بتشكيل اللواء «ماجد فرج» قوةً أمنية في قطاع غزة الفلسطيني تضطلع بدور أمني يسهم في إنجاح المخطط الصهيوني والتي قدمت لـ«نتنياهو» من قبل وزير حربه «يوآف غالانت» في منتصف مارس الفائت، فقد صارت تلك الخطة -بحسب ما يرصد من وقائع- تنفذ منذ أواخر مارس على أرض الواقع، وقد تأكد هذا المعنى في مستهلِّ الخبر الصحفي المختصر المعنون [إعلام إسرائيلي: مدير المخابرات الفلسطينية يبدأ بناء قوة مسلحة جنوب قطاع غزة] الذي نشرته «القدس العربي» في الـ31 من مارس الماضي على النحو التالي: (قالت القناة الـ14 الإسرائيلية إنَّ مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج بدأ العمل على بناء قوة مسلحة جنوب قطاع غزة).
كما تأكد المعنى ذاته في سياق الخبر الصحفي الموسَّع المعنون [مصادر لـ”عربي بوست”: قوة تتبع ماجد فرج شاركت في تأمين مساعدات شمال غزة.. تضم 80 مسلحًا وتعمل بإذن الاحتلال] الذي نشره «عربي بوست» في الـ31 من الشهر ذاته بما يلي: (أكدت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” اليوم الأحد أنَّ مدير المخابرات ماجد فرج قام بتشكيل قوة أمنية مكونة من 80 مسلحًا جنوب قطاع غزة، وقد شاركت بإذن من الاحتلال مساء السبت -لأول مرة- في حماية المساعدات التي وصلت مفرق الكويت جنوب مدينة غزة.
وأشارت المصادر إلى أنَّ عملية تأمين المساعدات مساء السبت تمت بعد اتفاق جرى بين مدير المخابرات ماجد فرج والشاباك الإسرائيلي في مصر قبل أيام).
ومن الجدير بالإشارة أنَّ عناصر هذه القوة المقترحة دُربت على أيدي مدربين أمريكيين واسعي الخبرة وعاليي المهارة.
كما أنَّ الخطة الأمنية المشتركة تهدف -في الأساس- إلى إغراق «قطاع غزة» الخاضع لسيطرة «حماس» بآلاف العناصر الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية الذين يعملون على إشاعة أجواء الفوضى بين الناس وبثِّ روح التمرد على «حماس»، وليس أدلّ على دقة هذا المعنى من احتواء الخبر موضع النظر على ما يلي: (وبحسب الخطة، كان من المفترض أن يقوم رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج بالعمل على نشر آلاف من عناصر فتح المؤهلين في قطاع غزة، بعد تدريبهم في الأردن والعودة بهم مسلحين إلى مختلف بقاع القطاع.
وكان الحديث يدور -وفق الخطة- عن آلاف من عناصر فتح، يتراوح عددهم بين 4 إلى 7 آلاف، بشرط تحويل الأسماء إلى إسرائيل للتأكد من عدم تورطهم في “الإرهاب” من وجهة نظرها).
وقوع 10 من قوة محظي الاحتلال في الاعتقال
على الرغم من أنَّ «ماجد فرج» نسق لإنجاح العملية التسللية مع «الشاباك» ووكالة المخابرات المركزية الأميركية «CIA» ووكالات الاستخبارات العربية والغربية، فإنَّ ذلك العمل الذي نسقه {خيار المحتل المفضل} قد تكلل -نتيجة يقظة المقاومة وتتبعها الدقيق لكل ما يعتمل- بما لم يكن يخطر على بال «فرج» المبلبل من فشل، وذلك ما يُفهم من استهلال تقرير الكاتب الفلسطيني «بكر السباتين» الخبري التحليلي المعنون [ماذا يعني اعتقال حماس متسللين إلى غزة تابعين لماجد فرج] الذي نشره «رأي اليوم» في الـ3 من أبريل الحالي الاستهلال التالي: (وزارة الداخلية في غزة التابعة لـ«حماس» تعتقل مجموعة من المتسللين الذين أرسلهم «ماجد فرج الله» إلى غزة عبر مصر بالعشرات؛ لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية في القطاع، بمباغتة المقاومة من الخاصرة وإثارة البلبلة والفوضى الهدامة توطئةً لحرب أهلية يصبو «نتنياهو» إلى تحقيقها.
وجاء في بيان الداخلية المنشور على «قناة الأقصى» على تطبيق تلغرام: “تسللَ إلى منطقة شمال غزة عدةُ ضباط وجنود يتبعون لجهاز المخابرات العامة في رام الله، في مهمة رسمية بأوامر مباشرة من «ماجد فرج»، بهدف إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية، وتمَّ ذلك بتأمين من جهاز الشاباك الإسرائيلي وجيش العدو، وذلك بعد اتفاق تم بين الطرفين في اجتماع لهم في إحدى العواصم العربية الأسبوع الماضي”.
وأضاف البيان أنَّ الأجهزة الأمنية في غزة اعتقلت عشرة من المتسللين، وتم إفشال المخطط الذي جاؤوا من أجله، متوعدةً أنها ستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه أن يلعب في مربع لا يخدم سوى الاحتلال).

إغلاق